الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

الليبيون عازمون على المضي قدما في طريق السلام رغم العقبات

طرابلس-ليبيا (بانا) - يساهم البطء والصعوبات التي تواجه العملية السياسية في ليبيا بسبب العقبات والعراقيل والتقلبات والتحديات الهائلة الأخرى في تحول الطريق إلى السلام إلى طريق متعرج ومليء بالعقبات.

كما أن تواصل الصراع السياسي والعسكري بلا توقف لما يقرب من عقد من الزمان، الذي أججه التدخل الأجنبي بشكل دائم، يعيده العملية السياسية إلى المربع الأول كلما لاحت بشائر أمل في الأفق.

وشكلت جلسات منتدى الحوار السياسي الليبي الذي عقد في نوفمبر الماضي في تونس دفعة هامة، وتتويجا لعزم وإرادة سياسية حفزت الليبيين من طرفي الأزمة على حد سواء والدول الأجنبية المتدخلة في الشؤون الليبية، على الرغم من وجود بعض التباين في المواقف.

وكان هذا المسار ثمرة سلسلة من الأحداث التي بدأت في أغسطس بالإعلان غير الرسمي لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع، وتقدم رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج باقتراح إجراء انتخابات ثم إعلان نيته الاستقالة وتسليم مقاليد الامور إلى سلطة جديدة، ومع ما تبع ذلك على المستوى الاقتصادي من خلال تعافي قطاع النفط الناجم عن رفع الحصار عن المنشآت والحقول النفطية في سبتمبر الماضي واتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر في جنيف

وكان من شأن هذا الزخم بعث ديناميكية وآمال في تحقيق سلام سريع

وكان للنجاح الذي حققه منتدى الحوار السياسي الليبي في تونس من خلال اعتماد خارطة طريق في أقل من أسبوع وتحديد فترة تمهيدية انتقالية وتحديد يوم 24 ديسمبر العام 2021 من أجل تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، الأثر في التطلع نحو حل سريع للأزمة الليبية.

لكن سرعان ما تفجرت الخلافات بين أعضاء منتدى الحوار السياسي عند مناقشة معايير وآليات اختيار المرشحين للسلطة التنفيذية الموحدة المكونة من مجلس رئاسي يتشكل من رئيس ونائبين له ورئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنيةوأدى ذلك إلى حدوث جمود جديد ما يزال مستمرا ويضيع الكثير من الوقت للانتقال إلى مرحلة جديدة تتعلق بالبحث عن أسس دستورية لتنظيم الانتخابات العامة.

يضاف إلى ذلك خيبات الأمل التي يواجهها تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي يتجسد ببطء على الأرض، ولا سيما مع التأخير في الانسحاب من خطوط التماس بين طرفي النزاع وعودة القوات إلى ثكناتها ورحيل المقاتلين والمرتزقة الأجانب.

وفي هذا الصدد، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى نشر مراقبين دوليين لمراقبة تطبيق وقف إطلاق النار.

كل ذلك يبين بأن عملية تسوية الأزمة الليبية ما زالت متعثرة مع ما يكتنفها من مخاطر انهيار حقيقية قد تعصف بكل المكتسبات المحققة لغاية الآن.

ويواجه منتدى الحوار السياسي الليبي، المنوط به تسوية الأزمة من خلال التوافق بين طرفي النزاع، عقبات على مستوى مسألة آلية اختيار المرشحين لقيادة السلطة التنفيذية المسؤولة عن إدارة المرحلة الانتقالية، والإشراف على تنظيم الانتخابات العامة المقبلة.

ويقول الناشط السياسي الليبي ونيس صلاح بلعيد "يفترض أن عملية التسوية الحالية دخلت نقطة اللاعودة، ومحكوم عليها بالنجاح في إخراج البلاد من حالة الأزمة التي غرقت فيها منذ عام 2011"، مؤكدا أن "طرفي الصراع على وعي بضرورة الوصول إلى حل، لأن الليبيين لم يعد بإمكانهم تحمل المزيد، خصوصا وأن البلاد في وضع اجتماعي وسياسي واقتصادي صعب".

وشدد السيد بلعيد، في تصريح لبانا بريس، على أن "التأخير والمشاكل التي تنشأ هي أمر طبيعي تماما في العملية السياسية نظرا لتعقيدات الملف الليبي وبعده الدولي بالنظر لتدخل أطراف دولية ثالثة"، معربا عن اعتقاده أن "التغلب على الصعوبات التي تنشأ في المحادثات يستغرق وقتا وتنازلات طالما أن كل طرف يريد أن ينتصر لموقفه ورؤيته للأمور قبل التوصل إلى حلول وسط وتجاوز العقبات".

وأشار إلى أن "الصراع في ليبيا استمر لفترة طويلة، وزعزع الثقة بين الليبيين، وحطم النسيج الاجتماعي، بسبب انعدام الأمن والعنف وعدم الاستقرار واستعمال القوة والأسلحة النارية "، مضيفا أن "علاج هذا الواقع يتطلب الصبر والحكمة وقبل كل شيء روحا وطنية عظيمة تعلي الصالح العام على المصالح الشخصية".

ومن جانبه، شدد الأستاذ الجامعي الليبي يعقوب عبد السلام الهوني على "ضرورة عدم تهويل المشاكل التي نشأت أو التأخير الحاصل في استكمال العملية"، مؤكدا أن المواعيد النهائية "لا تزال ضمن المعايير ونحن في بداية المحادثات السياسية على الرغم من الضرورة الملحة (لتسوية الازمة) التي نشعر بها".

واعتبر أن "منتدى الحوار السياسي انطلق بالطبع بسرعة من خلال تحقيق تقدم في فترة وجيزة في تونس، لكن هذا لا ينبغي أن يحجب المشاكل الحقيقية المثيرة للجدل والنقاط الأساسية التي لم يتم التطرق إليها في حينها والمتعلقة بشاغلي مناصب المسؤولية ومعايير اختيار السلطة التنفيذية وكذلك الأساس الدستوري لتنظيم الانتخابات".

وأشار الهوني إلى أن "المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالنيابة ستيفاني ويليامز وجدت أدوات للتغلب على العقبات الناشئة عبر تشكيل لجنتين لمنتدى الحوار السياسي الليبي، إحداهما استشارية مكلفة بحل الخلافات وتقديم مقترحات لآليات اختيار أعضاء السلطة التنفيذية الموحدة وستجتمع الأسبوع المقبل في جنيف لصقل الاختيارات التي تم اتخاذها خلال اجتماعها الافتراضي الثاني، مشيرا إلى أن "اللجنة الأخرى قانونية ولها مهمة البحث وإيجاد الأساس القانوني لتنظيم الانتخابات".

وأكد أن "العملية السياسية والاقتصادية والعسكرية تتقدم وتحرز تقدما مطردا"، مستشهدا بـ "تبادل الأسرى في إطار اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 وهي العملية الثانية من نوعها بين حكومة الوفاق الوطني وقوات المشير حفتر ، وكذلك الاجتماع الأخير للمجموعة الفنية للمتابعة الاقتصادية التي تضم مختلف المؤسسات الاقتصادية والمالية الليبية في كل من شرق وغرب البلاد سعيا لتوحيد الموازنة العامة وادارة الموارد النفطية بعد توحيد سعر صرف الدينار الليبي".

وتبذل الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ، ستيفاني ويليامز، جهودا كبيرة للتغلب على القضايا المطروحة وتقريب وجهات نظر أعضاء منتدى الحوار السياسي الليبي، مؤكدة أن الهدف النهائي هو التوصل لتنظيم انتخابات.

وعلى الرغم من أنها كررت مرارا أهمية وجود سلطة تنفيذية قوية للإشراف على الانتخابات وإدارة المرحلة الانتقالية، فإن ستيفاني ويليامز أكدت ضمنيا أن الفشل في تشكيل هذه السلطة لن يؤثر على تحقيق الهدف النهائي الا وهو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر المقبل.

وحثت الليبيين على اغتنام فرصة الاهتمام والدعم الدولي لمنتدى الحوار السياسي الليبي من أجل التوصل إلى حل في أسرع وقت ممكن.

ومن المؤكد أن التدخل الأجنبي له تأثيراته على سير العملية والمحادثات الجارية، لكن الليبيين مصممون على أن تكون التسوية ليبية-ليبية، بعد التحذير الذي أطلقته ستيفاني ويليامز الاسبوع الماضي حول إمكانية فرض حل من الخارج.

وفي هذا السياق، دعا عدد من أعضاء منتدى الحوار السياسي الليبي كافة القوى المدنية الديمقراطية الليبية إلى تشكيل ودعم "تسوية وطنية لحل شامل" يخرج البلاد من أزمتها الناتجة عن التدخلات الدولية والجهوية وإنهاء حالة الانقسام.

وأشار 21 عضوا من أعضاء لجنة الحوار السياسي، في بيان لهم، إلى أن تشكيل اللجنة الاستشارية الوطنية نابع عن الرغبة في تقديم دعم لمنتدى الحوار وتقييمه في إطار الثوابت والضوابط الوطنية والتواصل مع القوى المختلفة والكيانات السياسية للتوصل إلى حل توافقي يسمح بالمشاركة الإيجابية والفعالة لجميع مكونات الشعب، والنأي عن المصالح الشخصية وعدم التشبث أو الرهان على أسماء محددة.

وشدد أعضاء لجنة الحوار على أن "اللجنة الوطنية الاستشارية للحل الشامل تتمسك بتملك الليبيين للعملية السياسية وللحوار السياسي (...) بما يخدم المصلحة الوطنية العليا مع رفض الهيمنة والأجندات الأجنبية، وكذلك بعيدا عن سياسة الإقصاء والتهميش والعمل على تحقيق الشفافية في اتخاذ القرار ".

وأشاروا إلى أن اللجنة الاستشارة الوطنية ستعمل مع بعثة الأمم المتحدة للدعم من أجل تقديم الدعم والمشورة فقط، وفقا لقرار إنشاء بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.

هذا ويدرك الليبيون أهمية التوصل إلى تسوية سياسية تحافظ على وحدة وسيادة واستقلال بلادهم المهددة بالانقسامات والتدخلات الخارجية، بحسب المحللين الذين يؤكدون أن الحوار السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة سينتهي في نهاية المطاف بتقديم ثماره وتحقيق تسوية سلمية للأزمة في ليبيا.

وبالفعل، فإن التغيرات الجيو استراتيجية التي حدثت مؤخرا في العالم والمنطقة بعد التصديق على فوز الرئيس الأمريكي جو بايدن وتحقيق المصالحة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تمثل عوامل من المحتمل أن يكون لها تداعيات إيجابية على الاستقرار والسلام في ليبيا.

-0- بانا/ي ب/ع ط/ 8 يناير 2021