الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

إجراء الانتخابات، حل الأزمة الوحيد في ليبيا، يظل تحديا كبيرا ينبغي رفعه

طرابلس-ليبيا(بانا)- يظل إجراء الانتخابات، التي تُجمع كل الجهات على اعتبارها الحل الوحيد والأوحد لمعالجة الأزمة التي تعصف بليبيا، هدفا بعيد المنال حاليا في البلاد، نظرا للوضع السائد حاليا على الصعيدين المحلي والدولي، والذي يتسم باستمرار الخلافات بين الفاعلين الليبيين، وبين داعميهم من القوى الإقليمية والدولية، على الرغم من التأييد الواسع الذي يحظى به الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، عبدالله باتيلي، الذي سيواجه تحديا كبيرا لتنشيط العملية الانتخابية.

وبالفعل، فإن استمرار الخلافات حول القاعدة الدستورية بين مجلس النواب (البرلمان) والمجلس الأعلى للدولة (أعلى هيئة استشارية في البلاد) بشأن أهلية ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للانتخابات، يشكل موضع انسداد كبير و لا يوجد حل يلوح في الأفق لتجاوزه.

ومما يدلل على استمرار الخلافات حول هذه النقاط، ظهور جدل بين رئيسي المجلسين، عقيلة صالح من المؤسسة التشريعية، وخالد المشري من المؤسسة الاستشارية، حيث فند الأخير تصريحا أعلن فيه الأول عن اتفاقهما على تأجيل البت في شروط الترشح الخلافية للانتخابات الرئاسية، من أجل تجاوز تلك الخلافات.

وفي هذا الصدد، جدد رئيس المجلس الأعلى للدولة، رفضه القطعي لأي ترشح لشخص مزدوج الجنسية إلا إذا تنازل عن جنسيته الثانية، في حين يميل رئيس البرلمان لخيار منح جميع الليبيين إمكانية المشاركة في الانتخابات بدون استثناء.

وفسر البعض تصريحات صالح بأنها اعتراف بقرار تأجيل الانتخابات الرئاسية من أجل المضي نحو انتخابات تشريعية فقط، لتمكين البرلمان المقبل من البت في مسألة مواصفات المرشحين.

وأكدوا أن هناك ترتيبا مقترحا خلال زيارة رئيس البرلمان، عقيلة صالح، إلى قطر، مفاده سيناريو تغيير للمجلس الرئاسي سيتولى (صالح) رئاسته لمدة ثلاث سنوات، مع الإبقاء على حكومة الوحدة الوطنية، وعلى رأسها رئيس الوزراء، عبدالحميد الدبيبة، الذي سيقوم بتعديل وزاري لتقديم بعض الوزارات الرئيسية لمعسكر حفتر.

لكن عقيلة صالح نفى وجود مثل هذه الخطة، مؤكدا أن الهدف يكمن في إجراء انتخابات عامة متزامنة.

وأعاد هذا الجدل إحياء التكهنات حول استمرار مواطن الاحتقان التي ستحول دون إجراء الانتخابات، حيث أن القاعدة الدستورية، التي تمثل إطارا قانونيا ضروريا لتنظيم الانتخابات، قد لن يتسنى تحقيقها في غياب توافق في هذا الشأن.

وبعد التخلي عن هذه الفكرة، في فترة من الفترات، أعيد طرحها مجددا على الطاولة للخروج من المأزق والوصول إلى الانتخابات.

وفي هذا الإطار، ألمح رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، في كلمته خلال الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى رغبة المجلس في التحرك حال استمرار الانسداد بين المجلسين (النواب والأعلى للدولة) بشأن القاعدة الدستورية.

لكن إمكانية تحرك المجلس الرئاسي لحلحلة الوضع لا تحظى بالإجماع، بل أثارت اعتراضا معلنا من رئيس البرلمان، عقيلة صالح، الذي كان قد صرح، خلال جلسة رسمية، أن المجلس الرئاسي لا يتمتع بصلاحيات في هذا الشأن تخوله التدخل، مشيرا إلى انتهاء صلاحية الاتفاق الذي بموجبه أنشئ المجلس الرئاسي.

وعلاوة على ذلك، كانت بعض الدول قد عبرت عن تحفظات بشأن خيار تدخل المجلس الرئاسي، لتفادي المزيد من التعقيدات في المشهد الليبي، مفضلة خيار التوصل إلى اتفاق بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة.

من جانبه، أكد رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، على ضرورة إيجاد بديل لتجاوز هذا الانسداد، رافضا استمرار احتكار المجلسين لمسألة القاعدة الدستورية، حيث اعتبر أنهما "يتخذان الشعب الليبي رهينة" لديهما.

وجدد الدبيبة حرصه على الأخذ بليبيا إلى بر الأمان، بالعمل على إجراء الانتخابات التي تجسد تطلع الليبيين، مؤكدا رفضه لأي مرحلة انتقالية جديدة لتمديد ولاية المجلسين أو تسليم السلطة إلى حكومة غير منتخبة.

يشار إلى أن تأجيل انتخابات 24 ديسمبر الماضي، المحددة طبقا لخارطة طريق أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي برعاية الأمم المتحدة، أعاد الزج بالبلاد في مأزق جديد يتسم بوجود حكومتين متنافستين، إحداهما مكلفة من البرلمان يقودها رئيس الوزراء فتحي باشاغا؛ والأخرى حكومة الوحدة الوطنية لرئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة.

وزاد هذا الوضع من تعقيد الأزمة وتأجيج التوتر في البلاد، مع تصاعد الاشتباكات بين التشكيلات المسلحة المؤيدة للمعسكرين في طرابلس، حيث وقعت أكثرها دموية أواخر أغسطس الماضي، مسفرة عن أكثر من 32 قتيلا و159 جريح.

وفي ظل هذا الوضع الشائك، باشر الممثل الخاص الجديد للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، السنغالي عبدالله باتالي، عمله اعتبارا من 25 سبتمبر الجاري، في انتظار استلامه مهامه رسميا مطلع أكتوبر المقبل من العاصمة الليبية.

وذكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن باتيلي سيُجري سلسلة من اللقاءات مع مسؤولين رفيعي المستوى في الأمم المتحدة ومندوبي الدول الأعضاء في نيويورك، قبل وصوله إلى ليبيا مطلع أكتوبر القادم.

ومن شأن هذه الاتصالات التي ستجرى على هامش إحاطة وكيلة الأمين العام الأممي للشؤون السياسية، روز ماري دي كارلو، خلال الجلسة التي يعقدها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول ليبيا، اليوم الخميس، أن تسمح للممثل الجديد بالتواصل مع الدول المعنية بالملف الليبي وبناء فكرة أكثر واقعية حول مواقف ورؤى الجميع بشأن مفهومه لحل الأزمة في ليبيا.

وفي وقت سابق، كانت خمس دول غربية، من ضمنها الولايات المتحدة، قد جددت دعمها لعبدالله باتيلي، ما يمنحه دفعة لا يستهان بها لبدء مهمته بأريحية، ويوجه رسالة قوية إلى الأطراف الليبية بالتعاون معه في البحث عن مخرج للأزمة.

وأعرب مسؤولون رفيعو المستوى يمثلون فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن دعمهم للممثل الخاص للأمين العام، عبدالله باتيلي، وهو يستلم مهامه للتقدم نحو الاستقرار السياسي والمصالحة بين الليبيين.

وجدد هؤلاء المسؤولون الغربيون، خلال اجتماعهم، على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لمناقشة الأزمة السائدة في ليبيا، دعمهم الكامل لوساطة الأمم المتحدة الرامية إلى وضع قاعدة دستورية تسمح بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة وعادلة وشاملة في جميع أنحاء ليبيا بأسرع وقت ممكن.

وأكدوا على أهمية الاتفاق على سلطة تنفيذية موحدة يركز تفويضها على الإعداد للانتخابات.

وناقش ممثلو الدول الخمس كذلك أهمية الاستجابة للتطلعات الليبية إلى إدارة شفافة للإيرادات النفطية، ورفضوا رفضا قطعيا أي لجوء إلى العنف، مجددين دعمهم للتطبيق الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 أكتوبر 2020 .

وتقترح هذه البلدان الخمسة من أجل تجاوز مسألة السلطة التنفيذية بحكومتين متنافستين، بالتالي، تشكيل سلطة تنفيذية موحدة تسهر على تنظيم الانتخابات لتمكين الليبيين من اختيار حكامهم ومعالجة مشكلة شرعية المؤسسات التي تغذي الصراع في البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن.

وتشاطر الولايات المتحدة، المنخرطة على نحو فاعل في مساعي إيجاد حل في ليبيا، هذا الموقف، حيث صرح السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أن الوزيرين الأولين الليبيين الحاليين "غير قادرين على قيادة البلاد"، في إشارة إلى رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، ورئيس الوزراء المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا.

وتابع نورلاند، في حوار مع قناة "سكاي نيوز عربية" التلفزيونية، أن حل الأزمة الليبية يتطلب "اتفاقا عاما حول حكومة تتمتع بكامل الشرعية ولديها الثقة الضرورية لإدارة شؤون جميع الليبيين، وذلك يتأتى عن طريق الانتخابات".

وأكد السفير على ضرورة تجاوز حالة انعدام الثقة الحالية السائدة في ليبيا والمضي "بأسرع ما يمكن نحو إجراء الانتخابات، لأن الليبيين وحدهم من يمكنهم تقرير مصير بلادهم"، معربا عن أسفه "لنقص الثقة بين الأطراف الليبية وبعض الأطراف الإقليمية الذي أدى إلى تغذية الصراع".

ودعا الدبلوماسي الأمريكي، من جهة أخرى، إلى ضرورة التفريق بين الميليشيات، مؤكدا أن "بعضها يمكنها أن تشكل جزء في المكون العسكري الليبي الجديد الموحد، فيما تمثل أخرى عصابات إجرامية".

ولفت إلى إمكانية فرض عقوبات على هذه الميليشيات عند الحاجة، موضحا أن "المجتمع الدولي بمجمله سيأخذ ذلك بعين الاعتبار".

وتطرق مبعوث الولايات المتحدة الخاص وسفيرها إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، من ناحية أخرى، إلى بروز "أفكار جديدة واهتمام كبير" بليبيا على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وقال نورلاند، في مقطع للفيديو بثته وزارة الخارجية الأمريكية عبر حسابها على تويتر، "تعمل الولايات المتحدة في تعاون وثيق مع شركائها، المجتمع الدبلوماسي والضيوف الليبين المتواجدين في نيويورك، على إعطاء دفعة جديدة للعملية الانتخابية الليبية".

وأكد أن كافة الأطراف الليبية تدرك أهمية العمل بسرعة للوصول إلى الانتخابات، على ضوء العنف السائد حاليا في ليبيا.

وأشار نورلاند إلى أن إحدى أهم الرسائل التي تسعى بلاده لتمريرها بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة تتمثل في "الدعم الأمريكي القوي لجهود باتيلي في قيادة العملية السياسية والمساعدة في الوساطة بين الليبيين، من أجل الوصول في أقرب وقت ممكن إلى اتفاق يقود إلى انتخابات ذات مصداقية".

وهكذا، فإن هذه الدول المعنية بالملف الليبي قد شقت طريقا نحو إيجاد تسوية للأزمة في ليبيا ينبغي أن يغتنمه باتيلي، مع أخذ الاحتياطات اللازمة للمناورات التي قد تقوم بها بعض الأطراف الليبية وداعموها من القوى الإقليمية والدولية لنسف أي حل، طالما ظلت حالة الفوضى تخدم مصالحهم.

-0- بانا/ي ب/ع ه/ 29 سبتمبر 2022