الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

مذكرة حجب الثقة عن الحكومة الليبية.. خطوة مبالغ فيها من البرلمان

طرابلس-ليبيا(بانا)- صوت مجلس النواب الليبي (البرلمان)، يوم الثلاثاء الماضي، على مذكرة سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية،  بعدما ظل هذا الإجراء متوقعا منذ الأسابيع الأخيرة بسبب حالة الهيجان التي تخللت أنشطة المؤسسة التشريعية، حتى وإن كان البعض يعتبر تلك الخطوة غير محتملة نظرا للتوقيت والسياق الإقليمي والدولي المحيط بليبيا، حيث كان لهذه الخطوة تأثير حمام بارد يخلط مجددا أوراق المشهد السياسي، بينما تقترب البلاد من تنظيم الانتخابات العامة المقررة يوم 24 ديسمبر القادم.

وأصبح المراقبون يتساءلون الآن عن مصير هذا الاقتراع الهادف إلى إنهاء المراحل الانتقالية المتعاقبة التي ميزت العقد المنصرم في البلاد، دون التمكن من حل المشاكل المستمرة التي تواجه ليبيا، أو الفصل في مسألة الشرعية التي تشكل المصدر الرئيسي المغذي للأزمة في البلاد بسبب وجود مؤسسات انتهت مدة ولايتها.

ومن شأن مذكرة سحب الثقة من الحكومة أن تزج مرة أخرى بالبلاد، الموجودة أصلا أمام طريق مسدود، في أزمة عميقة قد تعيدها إلى المربع الأول من الصراعات المسلحة واستمرار التدخلات الخارجية التي جعلت، في السابق، من الصعب التوصل إلى حل سياسي، ما أضفى بعدا دوليا على المسألة الليبية، استند إلى مصالح القوى العظمى العالمية والإقليمية.

وقد برر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، الذي لم يدرك خطورة سحب الثقة من الحكومة ورهاناته وتداعياته، هذا الإجراء باعتبارات سطحية بعيدة كل البعد عن خطورة المرحلة وتطلعات الليبيين إلى طي صفحة الانقسامات والحروب، والتفرغ لإعادة إعمار بلادهم حتى ينعموا بالمقدرات الهائلة التي تزخر بها.

وأوضح عقيلة صالح أن "أجوبة الحكومة خلال جلسة المساءلة لم تقنع أعضاء مجلس النواب، وعليه فقد طلب ربع عدد النواب سحب الثقة من الحكومة طبقا للقانون".

وفي معرض خوضه في تفاصيل ما حدث حتى يلجأ البرلمان إلى مذكرة حجب الثقة عن الحكومة، صرح صالح أن المؤسسة التشريعية "حددت جلسة لمناقشة الأجوبة وجلسة أخرى لاتخاذ قرار بالتصويت من عدمه على مذكرة حجب الثقة"، ملاحظا أن "نصاب 86 نائبا (50+1) لم يكتمل يوم الإثنين 20 سبتمبر".

وتابع أن "النواب الـ72 الذين حضروا جلسة يوم الإثنين قرروا تشكيل لجان برلمانية للتحقيق مع الحكومة، ليتم تعليق الجلسة حتى يوم الغد، الثلاثاء، عندما جرت عملية التصويت".

لكن نوابا رافضين لسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية صرحوا أن "أخطاء وقعت داخل قاعة البرلمان في حساب عدد المصوتين على مذكرة سحب الثقة من الحكومة".

وأضافوا، في بيان مشترك وقع عليه 39 نائبا، أن "الفرز لم يجر على الوجه المطلوب، والعدد الحقيقي لم يتجاوز 73 نائبا على أقصى تقدير، ما لا يكفي لسحب الثقة من الحكومة، وفق المادة 194 من النظام الأساسي التي تنص على أن الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة من الحكومة هي الأغلبية المطلقة لأعضائه، أي 87 نائبا يصوتون بنعم على مذكرة سحب الثقة، وهو ما لم يحدث".

وأثار قرار البرلمان سحب الثقة من الحكومة، قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات التي هي مكلفة بالإشراف عليها، موجة من الاستهجان في مختلف الأوساط في البلاد، منددة بمحاولة تستهدف نسف العملية السياسية وعرقلة تنظيم انتخابات 24 ديسمبر القادم.

وعلاوة على ذلك، فقد صرح الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية، محمد حمودة، أن قرار مجلس النواب سحب الثقة "باطل على المستوى الدستوري والإجرائي"، مضيفا "من وجهة نظر شعبية، هذا مرفوض وغير مرحب به. أما سياسيا، فهو يعرقل خارطة الطريق والانتخابات، وذلك واضح بالنظر إلى بعض النواب الذين صوتوا ضده، وإلى الأرقام المتضاربة خلال جلسة التصويت، في خرق للقواعد التي تنظم خارطة الطريق والاتفاق السياسي، وكذلك إلى الأشخاص الذين نزلوا إلى الشارع للاحتجاج على هذا الإجراء".

وفي رد فعله، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، أن "حكومة الوحدة الوطنية ستواصل خدمة الشعب من أجل الوصول إلى انتخابات حرة وعادلة"، مشددا على "عدم ادخار أي جهد حتى تحقيق هذا الهدف التاريخي".

وتابع، في كلمة خلال المباراة النهائية لدوري كرة القدم الجامعية، أن "ليبيا تستحق أن ننظر إلى ما هو مشرق وإيجابي، وهو ما تمثلونه أنتم الشباب، وقد أتينا لنؤكد تصميمنا على مواصلة ما بدأناه، حرصا منا على إنقاذ البلاد وأملا في توحيد صفوفه وطرد شبح الحرب إلى غير رجعة".

وصرح الدبيبة، أمام جمع من المتظاهرين في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، أنه يرفض مذكرة سحب الثقة من الحكومة، مؤكدا أن الشعب الليبي هو صاحب الشرعية ومن يقرر، قائلا "ميعادنا يوم الجمعة ليعبر الليبيون من كل المدن، طرابلس، طبرق، الكفرة، سبها، وجميع مدن ليبيا".

من جانبها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها حيال تقارير تصويت مجلس الأمن على مذكرة لسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، وجددت تأكيدها على أن الحكومة الحالية تظل الحكومة الشرعية حتى يتم استبدالها بحكومة أخرى، في إطار عملية نظامية بعد الانتخابات.

وأشارت البعثة الأممية إلى أن هدفها يبقى متمثلا في المضي بالبلاد نحو الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة يوم 24 ديسمبر، وضمان الخدمات الضرورية للسكان.

ودعت البعثة البرلمان وجميع المؤسسات والأطراف الليبية المعنية إلى مواصلة التركيز على استكمال إعداد الإطار الدستوري والتشريعي لانتخابات 24 ديسمبر، والامتناع عن أي عمل من شأنه تقويض العملية الانتخابية والوحدة والأمن والاستقرار.

ورأت البعثة أن "إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يوم 24 ديسمبر 2021 يجب أن يبقى الهدف الرئيسي، وأي جهد لصرف الانتباه نحو أهداف أخرى فهو ضد تنظيم الانتخابات في 24 ديسمبر 2021".

واعتبر العديد من متابعي المشهد السياسي في ليبيا أن مذكرة حجب الثقة عن الحكومة سيكون لها تأثير مدمر، وستأتي بنتائج عكسية على البرلمان.

وفي تعليقه على مذكرة مجلس النواب لسحب الثقة من الحكومة، أكد رئيس مجموعة "الوسط" الصحفية الليبية، محمود شمام، أن البرلمان "يلقي بالانتخابات والاتفاقيات مع مصر نحو مصير مجهول"، متساءلا "هل يخدم قرار مجلس النواب المتسرع مستقبل الدبيبة السياسي؟ وهل أطلق عقيلة رصاصة في قدمه؟ وهل جرت مناقشة مثل تلك المناورات خلال لقاء السيسي مع عقيلة وحفتر؟ هذه أسئلة محيرة ترقص هذه الليلة أمام أعين الليبيين الذين كادوا يؤمنون بأن انتخابات ستجرى".

يشار إلى أن رئيس البرلمان عقيلة صالح حليف المشير حفتر، الذي علق يوم الأربعاء الماضي ولمدة ثلاثة أشهر نشاطه العسكري كقائد عام للقيادة العسكرية للقوات المسلحة الليبية المتمركزة في شرق البلاد، تمهيدا لترشحه لانتخابات 24 ديسمبر.

وتابع شمام، وزير الإعلام السابق في عهد المجلس الوطني الانتقالي (الذراع السياسية للثوار المناهضين لنظام القذافي)، في منشور عبر صحفته الرسمية على شبكة فيسبوك، أن "الدبيبة التقط الكرة وسجل هدفا وهو يلعب الآن بين مشجعيه".

ولفت إلى أن "يوم الجمعة (اليوم) سيكون حاسما، وميادين المدن هي مكان المواجهة. لقد أخطأ عقيلة في الخصم، وأصبح يخوض من الآن فصاعدا معركة اختفى فيها أنصاره. وإذا جرت الانتخابات اليوم، لن يتمكن أي مرشح من بين الأسماء المقترحة من هزيمة الدبيبة".

وأشار محمود شمام إلى أن "حفتر كان قد ارتكب خطئا في حرب طرابلس، وعقيلة أخطأ بإقحام برلمان ضعيف في معركة شرسة. فهل لعقيلة شارع (أنصار) للخروج يوم الجمعة؟".

ويشاطره الرأي الصحافي والكاتب الليبي عبدالرزاق الداهش الذي أكد أن سحب الثقة من الحكومة لن يضعفها، بل سيقوي عبدالحميد الدبيبة.

وكتب الداهش، في تدوينة عبر صحفته على الفيسبوك، يقول "ثلاثة أشهر فقط هو الوعاء المتبقي على انتخابات ديسمبر"، مبينا أن “الحكومة أعلنت عن جاهزيتها لتأمين الانتخابات، وعرضت خطة أمنية لا تنقصها المهنية”، كما أن “المفوضية (الانتخابية) تكفلت بالشق الفني مدججة بتجربتها، وتدفقات مالية لا ينقصها السخاء".

وتساءل قائلا "ماذا فعل البرلمان الذي كان عليه تصميم القاعدة القانونية؟، قبل أن يجيب "أصدر مجلس النواب قانونا مثيرا للتحفظ يتعلق بانتخابات رئاسية مثيرة للجدل، أما البرلمانية فقد أخذت طريقها إلى خزانة المجهول".

وأضاف "وأخيرا، سحب البرلمان الثقة من الحكومة التي كان يريدها بوفيه مفتوح لبعض البرلمانيين، بدل أن يسحب من عليها الضغوط”.

واعتبر الداهش أن "القرار ليس مهما سواء كان دستوريا، أو غير دستوري، فإن هناك حالة خلط أوراق، وبعثرة ملفات، والمحصلة في النهاية : برلمان دائم لأزمة مستمرة".

ويرى مراقبو المشهد السياسي في ليبيا أن حجم تعبئة مظاهرات اليوم الجمعة في المدن الليبية سيكون حاسما لمستقبل هذه المواجهة عن بعد بين الحكومة التي علق عليها الليبيون كل آمالهم في حياة أفضل، والبرلمان الذي يواصل تأكيد سمعته السيئة التي ألصقها بنفسه على مدى السنوات السبع الماضية، بوقوفه "عائقا أمام أي تقدم في ليبيا".

-0- بانا/ي ب/ع ه/ 24 سبتمبر 2021