الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

القمة 33 للاتحاد الإفريقي، طموحات كبيرة في مواجهة تحديات جسيمة

طرابلس-ليبيا(بانا)- بدأ رؤساء الدول والحكومات الإفريقية، اليوم الأحد، قمتهم الـ33 تحت شعار "إسكات أصوات البنادق، وخلق الظروف المواتية للتنمية في إفريقيا".

ويعكس هذا الشعار طموح القادة الأفارقة في معالجة الداء الذي تشكو منه القارة من جذوره، عبر إنهاء الصراعات العديدة وانعدام الأمن التي تنخر جسم إفريقيا، وتؤخر تنميتها وتنشر الآلام بين سكانها، رغم الثروات الهائلة التي تزخر بها بلدان القارة.

بيد أن هذا الطموح الكبير يواجه تحديات جسيمة بالنظر إلى الطبيعة المعقدة لهذه الصراعات، وضعف الوسائل المالية وقلة الاندماج بين البلدان الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، وفقا للمحللين.

إن إفريقيا مهد الإنسانية والقارة الشابة التي تزخر بكثير من الطاقات والموارد لديها المقدرات الكافية لبناء نفسها على أسس صلبة، والارتقاء إلى مصاف التجمعات الكبرى في العالم وفرض وجودها في المحافل الدولية للتأثير في سياسات وخيارات ومستقبل الكوكب، حسب هؤلاء المحللين.

ونتيجة لانعدام الأمن، تحتضن إفريقيا جنوب الصحراء أكثر من 26 في المائة من اللاجئين في العالم أجمع، أي أكثر من 18 مليون نسمة، نزحوا قسريا بسبب الإرهاب وآثار المناخ والصراعات، حسب بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

وبغض النظر عن أسباب الصراعات والحروب التي تؤثر بشدة على القارة ورفاهية سكانها، فإن ضرورة التصدي لها والقضاء على دوامة العنف التي تواجه البلدان الإفريقية، تظل أولوية مطلقة.

ولذلك، يسعى الاتحاد الإفريقي لإيجاد إستراتيجية أمنية جديدة للقارة مع الأخذ في الاعتبار سياق القطبية الراهن في العالم وتغيرات الجريمة المنظمة العابرة للحدود وتحديات الجماعات الجهادية والمتطرفين الدينيين.

وأكد رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقيه محمد، في هذا الصدد، أن "الصراع في ليبيا وتزايد الهجمات الإرهابية في الصومال ومنطقة الساحل ومحيط حوض بحيرة تشاد تشكل مصادر قلق بالغ للقارة الإفريقية".

وفي خطابه، أمام الاجتماع الذي عقده مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي أمس السبت على هامش القمة الـ33 للاتحاد الإفريقي، والمنعقد تحت شعار "كيف السبيل إلى القضاء على دوامة العنف في ليبيا وتعزيز الاستقرار في الساحل"، دعا فقيه محمد إلى إعادة تقييم "العقيدة" الأمنية للاتحاد الإفريقي، مبررا ذلك بالطبيعة المعقدة للصراعات وفشل جهود حفظ السلام في إفريقيا.

ونوه حمزه أنور الشريف، الأكاديمي الليبي المختص في الشأن الإفريقي "بالخيار الجريء للاتحاد الإفريقي بالتحرك لتسوية الصراعات وجعلها أولوية، ما يعكس إدراكا تاما بخطورة انعدام الأمن المتزايد الذي يشل إفريقيا بأسرها ويتركها على هامش القارات".

وشدد الشريف "على أهمية تغليب الحلول السياسية الشاملة للقضاء على الهجمات الإرهابية في بعض بلدان القارة"، مؤكدا أن "الصراعات التي تعرقل مسيرة السلام في إفريقيا، خاصة الصراع في ليبيا والتهديدات الإرهابية في الصومال والساحل ومحيط بحيرة تشاد، وتزايد عدد الإرهابيين والمتطرفين والهجمات المتكررة تسببت في ارتفاع أعداد النازحين في القارة".

من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي، مسعود منتظر العبيدي أن "المهم هو أن يكون الاتحاد الإفريقي فعالا في اختياره لوسائل إنهاء الصراعات وإسكات أصوات البنادق، مع التركيز على الحلول العملية والواقعية التي تأخذ في الحسبان الأسباب العميقة والبعيدة لهذه الحروب المشتعلة في القارة".

وحض العبيدي المنظمة القارية على "العمل الدؤوب من أجل نشر الديمقراطية في ربوع القارة حتى تشارك الشعوب في إدارة موارد بلدانها واختيار قادتها".

واعتبر المحلل السياسي الليبي أن "الديمقراطية هي التي ترسخ تعدد وجهات النظر واحترام الآخر والاحتكام إلى صناديق الاقتراع للفصل بين الأحزاب السياسية، وتساهم في إشاعة التسامح بينما يدفع حكم الأغلبية المنبثق عن الانتخابات إلى الشفافية".

وأضاف أنه "ما دامت الأنظمة الشمولية قائمة، فإن عدم المساواة والظلم والتطرف والقمع ستتواصل وستدفع الشباب الأفريقي إلى الحروب واستخدام القوة كوسيلة للتعبير، أو اللجوء إلى ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا للهروب من حالة اليأس والواقع المر، مخاطرين بحياتهم، بدل أن يشتغلوا ببناء بلدانهم وتنميتها".

وطالب العبيدي "بمزيد من السيادة في اتخاذ القرار السياسي في إفريقيا"، داعيا "القادة الأفارقة إلى رفض إملاءات القوى الاستعمارية السابقة والتدخلات في شؤون إفريقيا، عبر إيجاد وسائل لترقية آليات فض النزاعات القائمة، خاصة مجلس السلم والأمن وهيئاته الأمنية وقوات الفصل والتدخل في أماكن الصراعات في العالم".

أما الناشط الحقوقي في إحدى منظمات المجتمع المدني الليبي، مخلوف عثمان الصالحي فيؤكد أن "هذ التوجه الجديد للاتحاد الإفريقي وعمله من أجل القضاء على الصراعات والحروب في إفريقيا يتطلب من القارة أن تعول أولا وقبل كل شيء، على نفسها وعلى وسائلها الذاتية لتحقيق هدفها".

وذكّر بأن "القوى الأجنبية المنخرطة في محاربة الإرهاب وانعدام الأمن والجريمة العابرة للحدود بدأت في الانسحاب من القارة كما فعلت الولايات المتحدة التي كانت شريكا في الحرب على تنظيم الدولة في إفريقيا، لكنها أعلنت مؤخرا نيتها الخروج رغم الوسائل التي تتوفر عليها قيادة "أفريكوم" على الأخص".

وتطرق الصالحي كذلك "لموقف فرنسا قبل اجتماع قادة دول الساحل الخمس في مدينة باو، حيث ألقت بظلال من الشك على بقاء وجودها في المنطقة بعد أن أدركت عداوة بعض السكان تجاه وجودها العسكري الذي يؤجج، في نظرهم، التوتر ويغري الجهاديين".

وبالنسبة للقمة الـ33 للاتحاد الإفريقي المنعقدة يومي 9 و10 فبراير الجاري، سيكون الهدف أساسا المصادقة على خيار قوات حفظ السلام في البلدان الإفريقية.

وتحتاج ليبيا التي هيمنت إلى جانب منطقة الساحل، على أعمال هذه الدورة، إلى مراقبين أفارقة لمراقبة الهدنة المعلنة منذ 12 يناير الماضي والتي تحاول اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 تحويلها إلى وقف دائم لإطلاق النار.

من جانبه، يعتقد عبدالمنعم صلاح الفيتوري، الخبير العسكري الليبي أن "الاتحاد الإفريقي يمكنه أن ينجح في مهام حفظ السلام"، مضيفا أن "إفريقيا تمتلك تجربة في هذا المجال من خلال البعثات في الصومال ودول أخرى عبر العالم في إطار القبعات الزرق التابعين للأمم المتحدة".

وأشار إلى أن "الحماس الذي أبدته إفريقيا للمشاركة في نشر مراقبين في ليبيا يمكن أن يشكل فرصة للاتحاد الإفريقي كي ينخرط أكثر في الملف الليبي".

وأضاف الفيتوري أن "السؤال الوحيد المطروح بالنسبة لبعثة المراقبة في ليبيا هو وسائل التمويل"، مقترحا أن "تتكفل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بالجوانب المالية واللوجستية".

وهكذا، فإن على الاتحاد الإفريقي أن يوفر لنفسه وسائل على قدر طموحه عبر إيجاد الموارد المالية لعملياته العسكرية بالاعتماد أساسا على قدراته الذاتية وهو ما لا يتوفر اليوم.

لكن ذلك ليس في الوقت الراهن سوى ذريعة حتى لا تجسد القارة طموحاتها. وعلى العكس، فبعد كل تجربة تمر، تستخلص الدروس ويستفاد منها للسير إلى الأمام. ذلك ما ينبغي أن يتخذه الاتحاد الإفريقي شعارا لإكمال تحقيق الاندماج بين بلدانه وتشجيع تنميتها في أجواء من السلام والسكينة تسمح باستغلال أمثل للإمكانات التي يزخر بها باطن الأرض الإفريقية.

-0- بانا/ي ب/س ج/09 فبراير 2020