الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

فيروس "كورونا" يعمق مأزق العملية السياسية في ليبيا

طرابلس-ليبيا (بانا) - لا شيء ينبئ بقرب انفراج في الطريق المسدود الذي تعرفه العملية السياسية لإيجاد حل للأزمة في ليبيا، في وقت يزيد فيه وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من تفاقم الأوضاع وإبعاد كل حل متفاوض بشأنه في هذا البلد الذي تواصل الحرب والمواجهات المسلحة في تدميره وفي قتل المدنيين الأبرياء بشكل يومي.

وقتل أربعة أشخاص، مساء الأربعاء، وجرح خمسة آخرون تتراوح أعمارهم بين 11 و 25 سنة، جراء سقوط قذائف عشوائية على منطقة سكنية في عين زارة  جنوب العاصمة طرابلس.

وأصبح هذا المشهد الدامي مألوفا لسكان طرابلس والمناطق الواقعة قرب فوهات النيران منذ بدء الهجوم العسكري الذي يشنه المشير خليفة حفتر منذ 4 أبريل الماضي للسيطرة على العاصمة الليبية.

وقتل أكثر من 380 مدني وأصيب المئات بجروح فيما يقدر عدد النازحين ب 152000 شخص منذ انطلاق هذا الهجوم.

في غضون ذلك، يتواصل خرق الهدنة الهشة وآخرها الهدنة المعلنة في 12 يناير، بينما يتبادل المعسكران المتحاربان التهم بخرقها.  

واستهدف القصف شبه اليومي، منذ يوم الاحد، مناطق سكنية في طرابلس وضواحيها، بينما ركزت جهود السلطات على اعتماد إجراءات وقائية لوقف انتشار جائحة كورونا التي انتشرت في بلدان الجوار المتوسطي متسببة في أزمة صحية كبرى في كل من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا.

ويبدو أن المأزق السياسي الذي دخلته البلاد منذ 2 مارس الجاري بعد استقالة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة، سيزيد تعمقا في وقت تتصاعد فيه بشكل كبير مخاطر انتشار جائحة كوفيد-19 والتي زادت في صرف انتباه القوى الكبرى عن الأزمة الليبية في الوقت الراهن.

فدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وتركيا ومصر وتونس والجزائر وإيطاليا والعديد من البلدان الأخرى تركز حاليا جهودها في سباق مع الزمن لوقاية صحة مواطنيها في وجه آفة هذا الفيروس الفتاك.

وبالنسبة إلى عيسى الزوي، الموظف في إدارة عامة في طرابلس فإن "هذا الوضع أرجع القضية الليبية إلى أدني سلم أولويات هذه الدول مع عواقب مزيد من تدهور الوضع".

ودعت إحدى عشرة دولة بالإضافة للاتحاد الأوروبي أطراف النزاع في ليبيا إلى وضع حد فوري للأعمال العدائية.

وأطلق النداء من قبل كل من الجزائر وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وتونس وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بهدف تمكين السلطات المحلية من الاستجابة لتحدي مواجهة فيروس كورونا من خلال توحيد جهودها. 

ولقي هذا النداء استجابة من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الذي أكد مجددا يوم الخميس، رغبته في مواصلة احترام الهدنة والانخراط في استتباب الحفاظ على السلام في ليبيا.

ودعا المجلس، في بيان له، من هذه الدول حث خليفة حفتر على "وقف انتهاكاته وجرائم قصف المدنيين"، ووعد بالرد على أي انتهاك في إطار الدفاع عن النفس.

وفي 12 فبراير، تبنى مجلس الأمن الدولي قرارا يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في ليبيا، ويتبنى هذا القرار خلاصات مؤتمر برلين وتوصياته. لكن هذا القرار لم يحترم من قبل معسكر حفتر الذي واصل قصف المطارات وميناء طرابلس، ولا سيما مطار معيتيقة مما أجبره على الإغلاق للحفاظ على سلامة المسافرين والطائرات.

ومنذ بداية فبراير، رفض مندوبو حفتر في المحادثات المسار العسكري في جنيف السويسرية في إطار اللجنة المشتركة 5+5 المكونة من خمسة ضباط عن كل معسكر التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار عبر استدامة الهدنة ووقف القتال في البلاد.  

وقبل ذلك وفي مؤتمر برلين بشأن ليبيا في 19 يناير ، رفض حفتر التوقيع على وقف إطلاق النار.

كما رفض حفتر، في 12 يناير في موسكو، وإثر وساطة تركية روسية، التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار وهو الاتفاق الذي وقع عليه بالأحرف الأولى رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج.

وشدد وسام المبروك الشويهدي، الناشط في المجتمع المدني في ليبيا، على أن "حفتر لطالما أعلن بصوت عال وواضح نزعاته الحربية بقوله إنه يريد خوضها بالأسلحة بينما يعترف الجميع بأن الحرب لا يمكن أن تكون بمثابة تسوية للأزمة في ليبيا ".

وأضاف الشويهدي أنه "إذا تظاهر حفتر بالالتزام بمبادرات السلام وتوصيات اللقاءات والمؤتمرات، فقد فعل ذلك ظاهريا فقط حتى لا يتم تهميشه أو في سياق مناوراته لكسب الوقت وخداع يقظة خصومه تمهيدا لإعداد ضربة غير متوقعة".

وقال "هذا ما حدث لمدينة سرت التي سيطر عليها عندما كانت الجهود تركز على مؤتمر برلين وكيفية تنفيذ الالتزامات من خلال المسارات الثلاثة للمحادثات السياسية والاقتصادية والعسكرية".

الموقف نفسه عبر عنه الجامعي صالح الفرجاني الذي أعرب عن الأسف لكون أنه "حتى أمام الخطر المشترك لفيروس كورونا الذي يهدد جميع الليبيين دون تمييز، يصر كلا المعسكرين على مواقفه دون أي اهتمام بالمواطنين الذين يعانون الويلات والذين يتهددهم خطر وشيك على الرغم من الإمكانات الهائلة والثروة المتاحة للبلاد ". 

وأشار الفرجاني الى استمرار وضع الجمود في ليبيا وأنه "حتى تعيين الأمريكية ستيفاني ويليامز لتتولى مهام غسان سلامة بالنيابة لم يجلب أي جديد. إذ لا يزال الوضع في طريق مسدود".

وشدد على أن "عدم تعيين، حتى الآن، لمبعوث جديد لليبيا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يكشف الصعوبات المستمرة في الملف الليبي والفراغ الكبير الذي تركه رحيل سلامة".

ومن جانبه، قال عبد السلام حمودة ، مهندس كمبيوتر ليبي وناشط سياسي ، إن "تفشي وباء كورونا فاجأ الجميع، وأصبح مصدر القلق الأول للدول في جميع أنحاء العالم بسبب جديته وخطورته". 

وبالنسبة لحمودة "تكمن الجدية في تداعياته على ليبيا على المدى القصير والمتوسط ​​في سياق استمرار انتهاكات الهدنة مع ما تحمله من مخاطر نشوب مواجهات حادة على جبهات القتال".

ويقول "في حال تم الإعلان عن تفشي وباء كورونا في ليبيا وتزايده، فإن الوضع سوف يسوء بالنظر إلى التقادم والقصور الذي يعاني منه النظام الصحي في ليبيا وعدم قدرته على استيعاب عدد كبير من الأشخاص".

وأضاف إن "ايطاليا انهارت تحت وطأة حجم الوباء بمعدل وفاة تجاوز معدل الوفيات في الصين إذ تجاوزت 427 حالة وفاة خلال 24 ساعة، بما مجموع 3.405 وفاة، متقدمة على الصين 3.245"، متسائلا عما سيكون عليه الوضع في ليبيا في حال لا قدر الله أصيبت بهذه الجائحة.

ويضيف أنه بالنظر لخطورة اللحظة الراهنة، لا مناص امام الليبيين المتحاربين سوى أن يأخذوا في الاعتبار الوضع الاستثنائي الذي يمر به العالم والخطر الوشيك الذي ينتظر مواطنيهم في مواجهة هذا الوباء من خلال الالتزام بهدنة كاملة خلال الأشهر الثلاثة القادمة من أجل  السيطرة على وباء كوفيد 19 .

-0- بانا/ع ط/ 20 مارس 2020