الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

المؤتمر الدولي حول استقرار ليبيا، رهانات حاسمة لاستكمال العملية السياسية الليبية

طرابلس-ليبيا(بانا)- ستستضيف العاصمة الليبية طرابلس، يوم الخميس 21 أكتوبر الجاري، مؤتمرا دوليا حول "مبادرة استقرار ليبيا"، وهو اللقاء الأول الذي سيجري على الأراضي الليبية خلال العشرية الأخيرة التي واجه خلالها هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا أزمة سياسية وعسكرية اتخذت بعدا دوليا بسبب التدخلات الأجنبية، ما أفقد الليبيين زمام المبادرة في إدارة شأنهم الداخلي، وتسوية خلافاتهم وفقا لواقعهم الخاص بهم.

وإلى جانب الرهانات الحاسمة لهذا اللقاء على المستوى الوزاري الذي يأتي في ظرف حرج من المرحلة الانتقالية في ليبيا التي وصلت إلى طريق مسدود في حين يبدو أن الاستحقاق الانتخابي في 24 ديسمبر المتوج للعملية السياسية أصبح على مفترق طرق، بالنظر إلى استمرار الخلافات حول القاعدة الدستورية، يبعث تنظيم هذا المؤتمر على الأراضي الليبية رسالة قوية عن إرادة حكومة الوحدة الوطنية في توفير الظروف المثلى لتنظيم الاقتراع الذي يتطلع إليه الليبيون.

وتمثل "مبادرة استقرار ليبيا" التي أعدت وأعلن عنها في مؤتمر برلين الدولي الثاني المنعقد يوم 23 يونيو الماضي، الرؤية الليبية لمعالجة الملف الليبي. وشاركت ليبيا في هذا المؤتمر، وهي المرة الأولى التي تدعى فيها بصفتها طرفا حيث مثلها رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الديبيبة ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش. 

وتقوم هذه المبادرة على التنفيذ الكامل لوقف إطلاق النار وجدول زمني واضح وعملي لخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، إضافة إلى توحيد الجيش والمؤسسات السيادية الأخرى في البلاد، وكذلك تأمين وحماية الحدود الليبية لمكافحة الظواهر المدمرة مثل الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة وتهريب السلع.

كما تشمل العمل لإنجاز أولويات حكومة الوحدة الوطنية على أساس خارطة طريق المرحلة التمهيدية، وهي فرض السيادة الوطنية على عموم التراب الوطني، وإخراج كافة القوى الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية، والتوصل إلى المصالحة الوطنية التي انطلقت بقرار المجلس الرئاسي القاضي بإنشاء المفوضية العليا للمصالحة الوطنية وتنظيم حوارات مجتمعية بين مختلف شرائح المجتمع لوضع تصورات من شأنها ضمان نجاح أعمال المفوضية.

وترمي هذه المبادرة، من خلال دعم بلدان المجتمع الدولي، إلى وضع آلية واضحة وممارسة الضغط على الذين يعرقلون خارطة الطريق والقرارات الدولية.

وأجرت وزير الخارجية الليبية، مؤخرا، جولة في بلدان الخليج، الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث طلبت منها المشاركة في المؤتمر الوزاري.

كما زارت رئيسة الدبلوماسية الليبية إيطاليا وتركيا وقبلهما روسيا. وأصبح البلدان الأخيران فاعلين أساسيين في الملف الليبي لما لهما من نفوذ على طرفي الصراع في ليبيا بفعل تواجد قوات عسكرية ومرتزقة تابعة لهما على الأراضي الليبية.

وفي متابعته للاستعدادات للمؤتمر الدولي حول مبادرة استقرار ليبيا، عقد رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، اجتماعا، مساء الاثنين، مع لجنة التحضيرات بحضور وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش.

وفي لقاء مع الدبيبة، تطرقت المنقوش للإجراءات  التي اتخذتها الوزارة بخصوص التحضيرات السياسية واللوجستية بينما طلب رئيس الحكومة من جميع الوزارات المعنية الاتحاد والتعاون مع وزارة الخارجية لإنجاح هذا الحدث.

وشدد على ضرورة أن يرتقي الحدث "إلى المستوى المطلوب، مع إعطاء صورة جيدة لليبيا، الغائبة عن تنظيم الملتقيات الدولية منذ بعض الوقت لأسباب مختلفة".

وأكدت المنقوش أن المؤتمر والمبادرة يهدفان إلى تثبيت الاستقرار في ليبيا لكن بشرط أن يكون ذلك "بقيادة وتوجيه وطنيين ليبيين، وبدعم من الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة لمساعدة الليبيين على تقرير مصيرهم ومستقبلهم على أساس مخرجات مسار برلين".

وبخصوص الهدف الأول لمبادرة استقرار ليبيا، وهو خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، تُطرح هذه المسألة في أجواء جديدة مع آفاق إيجابية بسبب إقرار اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 لخطة عمل إجلاء جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية بطريقة متدرجة ومتوازنة ومتزامنة.

وفي هذا السياق، كُشفت تفاصيل خطة إجلاء المرتزقة والمقاتلين الأجانب حيث تضمنت أربع مراحل للشروع في تنفيذها لكن دون تحديد جدول زمني.

وبحسب نص الاتفاق، تتمثل المرحلة الأولى في أن يجمع كل واحد من طرفي الصراع المقاتلين الأجانب المتعاونين معه في نقطتين للتجميع في بنغازي شرقا وطرابلس غربا للتأكيد على حسن النية والسماح بتنفيذ فعلي لقرار إجلاء القوات والمرتزقة الأجانب.

وبعد تنفيذ هذا الإجراء، تأتي المرحلة الثانية المتعلقة بنشر مراقبين أجانب سيتعاونون مع المراقبين المحليين للإشراف على الخروج التدريجي المتوازن والمتزامن للمقاتلين الأجانب.

أما المرحلة الثالثة فتتمثل في مراقبة وإحصاء العدد الحقيقي للمقاتلين الأجانب وتوثيقهم عمليا مع عدم ترك المسألة للصدفة، ثم تأتي المرحلة الرابعة وهي خروج القوات الأجنبية والمرتزقة عبر دفعات، وفق جدول زمني ومن منافذ حدودية سيتم الاتفاق عليها.

ورغم هذه الآفاق الجيدة، يبقى بعض المحللين متشككين إزاء القدرة على تنفيذ هذا الخروج النهائي للمرتزقة والمقاتلين والقوات الأجنبية، إذ يخشون تملص الدول التي توجد قوات عسكرية ومرتزقة منها في ليبيا، وهي أساسا تركيا وروسيا.

ويبين هؤلاء المحللون أن رهانات الوجود العسكري ترتبط بالمصالح الخاصة لهذه البلدان التي لن توافق على التخلي عن وجود إستراتيجي يعطيها موقعا جيوستراتيجيا على شرق البحر المتوسط مع ثرواته الغازية الهائلة باعتبار أن هذه الطاقة المستقبلية حيوية كمصدر للإيرادات والنفوذ في العالم.

ويحتاج الأمر إلى معجزة لكي تتوصل البلدان المجتمعة في مؤتمر مبادرة استقرار ليبيا إلى إقناع تركيا وروسيا بإجلاء قواتهما والخروج بالتالي من المشهد الليبي.

وحتى مجلس الأمن الدولي لن يستطيع تقديم حل جذري لهذه المسألة لأن موسكو تتمتع فيه بحق الفيتو ولن تتردد، كما في السابق، في استخدامه دفاعا عن مصالحها ومصالح حلفائها المحليين.

وسيكون من الصعب أيضا إقناع تركيا التي تتحجج بوجود شرعي على أساس اتفاقات مسجلة لدى الأمم المتحدة تعطيها حدودا بحرية واسعة مع ليبيا تمكّنها التنقيب والحفر في البحر المتوسط، بالتخلي عن كل المزايا التي تجنيها من وجودها في ليبيا.

عقبة أخرى أمام تحقيق هذه المبادرة من أجل استقرار ليبيا، وهي التهديد الذي يواجه تنظيم انتخابات 24 ديسمبر بالنظر إلى أن القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب لا تحظى بالتوافق مما يجعل نتائجها قد لا تلقى اعترافا من لدن بعض الأطراف الليبية إن جرى تنظيمها في هذه الظروف.

وعلى بعد نحو 80 يوما من الاستحقاق الانتخابي الذي يشكل لبّ الحل في ليبيا، إن نُظمت الانتخابات فسوف تنتج مؤسسات جديدة تتمتع بشرعية انتخابية جديدة وتقود البلد إلى تجاوز الأزمة الراهنة التي يغذيها الطعن في شرعية المؤسسات القائمة من قبل فرقاء الصراع في ليبيا.

لكن، في حال تأجيل الاقتراع إلى موعد غير محدد، ربما يؤدي ذلك إلى انزلاق البلد في أزمة جديدة ورجوعه إلى مربع الانطلاق مع الحرب والمواجهات المسلحة.

ومن الضروري أن تركز الدول المشاركة في المؤتمر على تحقيق الهدف المحوري وهو تنظيم الانتخابات في موعدها المعلن حفاظا على فرص استمرار هذه الهدنة الهشة إلى حين قيام سلطة جديدة.

وفي الواقع، يعتبر مراقبو المشهد السياسي الليبي، أن تنظيم الانتخابات يشكل مفتاح الحل وأن الوجود العسكري الأجنبي وإن مثل عامل عدم استقرار، لا يمنع تنظيم الانتخابات ولو في ظروف غير مثالية.

وفضلا عن ذلك، إذا أظهر الليبيون أنفسهم إرادة في تحرير بلدهم من التبعية وصون استقلالها وفق المصلحة المشتركة، فيجب عليهم إيجاد حل لاستعادة السلام والاستقرار في بلدهم ووضع حد لمعاناة المواطنين عبر منحهم الفرصة لينعموا بثروات بلدهم الزاخرة ويحققوا مسيرة البناء والتنمية.

-0- بانا/ي ب/س ج/17 أكتوبر 2021