الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

هل يحقق المنتدى السياسي المزمع تنظيمه في جنيف مطلع أكتوبر، آمال الليبيين؟

طرابلس-ليبيا(بانا)- ترنو الأنظار حاليا إلى جنيف بسويسرا حيث ستجري، في غضون أيام وتحديدا مطلع أكتوبر، جولة جديدة من المفاوضات الليبية الداخلية برعاية الأمم المتحدة، وعليها يعلق الليبيون كثيرا من الآمال لخروج بلادهم من أتون الصراع الطويل الذي مضي عليه نحو عشر سنوات ذاق المواطنون خلاله ضروبا من المشقة والمعاناة.

هذه الآمال تراود الليبيين لأنهم سئموا حالة الفوضى الأمنية التي عاشوها وقاسوا منها أشد أنواع العذاب التي يمكن أن يلقاها إنسان في حياته. واجهوا فيها انقطاعات الخدمات الأساسية وأصناف الحرمان والخوف والأمراض والجراح والتعذيب والتهديد والسجن وغياب أبسط الخدمات الضرورية في بلد يزخر بموارد نفطية هائلة.

ويؤكد المحلل السياسي الليبي، عصام القرقوري أن "الحوافز التي تدفع الليبيين، هذه المرة، للأمل مختلفة تماما عن المرات السابقة في الفترة الأخيرة، عندما توجه فرقاء الأزمة إلى جنيف شهر مارس الماضي وقبل ذلك إلى مؤتمر برلين في 19 يناير أو حتى في مفاوضات موسكو حول وقف إطلاق النار لتثبيت هدنة 8 يناير التي أعلنت بفضل وساطة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين".

ويرى القرقوري أن "هذه الحوافز على النقيض تماما من حوافز اللقاءات السابقة والمبادرات والمؤتمرات المنظمة حول ليبيا في مختلف العواصم كأبوظبي وباريس مرورا بباليرمو وبرازافيل وأديس أبابا والقاهرة، لكنها انتهت جميعا بالتزامات عامة لم تجد أبدا طريقها للتطبيق على أرض الواقع".

وبالنسبة لهذا المحلل الليبي، "لم تثمر هذه اللقاءات أي نتيجة سوى إطالة أمد الأزمة الليبية وزيادة التدخلات الأجنبية حتى تحول الملف الليبي إلى خيوط متشابكة من مصالح الدول الأجنبية الداعمة لهذا المعسكر الليبي أو ذاك".

ويشار إلى أن سلسلة من الأحداث توالت خلال الأسابيع الأخيرة في ليبيا، بين أواخر أغسطس ومنتصف سبتمبر، وسمحت بفتح آفاق رحبة لتسوية الأزمة الليبية مع إيجاد حل دائم.

وفي تذكيره بهذه الأحداث التي مهدت الطريق لحل الأزمة، أشار الأستاذ الجامعي الليبي صلاح شعبان، إلى أن "الأحداث بدأت بمبادرة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، الذي أعلن في 21 أغسطس، وقفا فوريا لإطلاق النار وإنهاء جميع الأعمال القتالية في عموم الأراضي الليبية"، مضيفا أن "الإعلان تضمن الدعوة إلى استئناف إنتاج وتصدير النفط، المصدر الرئيس لإيرادات ليبيا، والمتوقف منذ 8 أشهر بقرار من قوات حفتر، مما كبّد الدولة الليبية خسائر من فرص مبيعات الخام تقدر بـ10 مليارات دولار، وحرم المواطنين من وسائل عيشهم في ظل انتشار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في البلاد".

وقال شعبان "إن السراج اقترح أيضا نزع السلاح في سرت والجفرة (وسط البلاد) اللتين تمثلان خط جبهة القتال بين المعسكرين وتنظيم انتخابات عامة في مارس 2021 على أساس قاعدة دستورية متينة يتفق عليها الليبيون"، مشيرا كذلك إلى أن "رئيس مجلس النواب في طبرق (شرق)، عقيلة صالح، الذي يمثل الواجهة السياسية لحفتر، أعلن، في بيان منفصل نفس اليوم، وقفا فوريا لإطلاق النار ودعا إلى جعل سرت مقر السلطة التنفيذية القادمة التي سيشكلها ممثلون عن جميع الليبيين".

واعتبر أن "هاذين الإعلانين عن وقف إطلاق النار أعطيا ديناميكية جديدة للعملية السياسية حيث سمحا بكسر الجمود بين الفرقاء الليبيين وشجعا الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز، على الدعوة، خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن عبر تقنية الاتصال المرئي، إلى ضرورة اغتنام فرصة وقف إطلاق النار غير الرسمي والعمل على تثبيته واستئناف المفاوضات".

وأضاف الاستاذ الجامعي الليبي "سمحت ستيفاني وليامز، من خلال تهيئتها الأرضية خلال زيارة للمغرب، بعقد جلسات الحوار في بوزنيقة بالمملكة المغربية، بين خمسة أعضاء من مجلس النواب وخمسة أعضاء من المجلس الأعلى للدولة، حيث اتفق الطرفان على توزيع المناصب السيادية وتغليب مصلحة البلاد والعمل على التوصل لتوافق ينهي معاناة الليبيين".

وتابع شعبان "بموازاة هذا اللقاء في المغرب، جرت مفاوضات في مونترو بسويسرا تحت رعاية مركز الحوار الإنساني وبالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وهناك اتفقت الأطراف الليبية المتحاورة على توصيات منها إقامة مرحلة انتقالية مدتها 18 شهرا تنتهي بتنظيم انتخابات عامة".

وأشار إلى أن "المشاركين اقترحوا، قبل ذلك، إعادة هيكلة المجلس الرئاسي ليتكون من رئيس ونائبين للرئيس يمثلون مناطق ليبيا الثلاث، طرابلس وبرقه وفزان، مع وزير أول منفصل ومن منطقة أخرى غير منطقة رئيس المجلس".

ويشاطر الناشط في المجتمع المدني محمود الفيتوري، صلاح شعبان في رأيه حيث لفت إلى أنه "في خضم رياح التفاهم والتوافق الجديدة التي تهب حاليا على ليبيا، زار وفد من المنطقة الغربية يضم برلمانيين وقادة عسكريين من عملية بركان الغضب التابعة لحكومة الوفاق الوطني، القاهرة بمصر، حيث التقى بالمسؤولين المصريين، وهي خطوة من شأنها إحداث تقارب مع هذا البلد الكبير المتحالف مع حفتر".

واعتبر الفيتوري أن "نجاح هذه اللقاءات الليبية-الليبية أعطى دفعا جديدا للعملية السياسية في ليبيا وهو ما شجع ستيفاني وليامز على الإسراع بالتحضير للمنتدى السياسي الليبي المنبثق عن مخرجات مؤتمر برلين".

وأضاف أنه "على إثر هذه الهبّة التي أحدثتها اللقاءات الأخيرة، نظمت البعثة الأممية اجتماعا حول المسار الاقتصادي، أحد المسارات الثلاثة لبرلين، بحضور ستيفاني وليامز".

لكنه نبه إلى أن "إعلان السراج عزمه الاستقالة وتسليم مهامه في أكتوبر لسلطة جديدة تختارها لجنة الحوار الليبي، هو ما عزز فعلا فرص النجاح في المفاوضات القادمة بما أن هذا القرار يفتح الطريق لانتقال السلطة بسلاسة".

وأكد الناشط في المجتمع المدني أن "الاتفاق النفطي المعلن، يوم الجمعة الماضي، بين حفتر ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، حول استئناف إنتاج وتصدير النفط على أساس توزيع العائدات بين المناطق الليبية، ساهم هو الآخر، في هذه الديناميكية رغم أنه لقي ردودا متباينة".

وأضاف "في الحقيقة، بدأت الأنشطة النفطية قليلا في بعض المواقع النفطية في انتظار استكمال الاتفاق مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط".

من جانبه، يرى أكرم الإدريسي الموظف في إحدى الإدارات العامة أن "المحرك الحقيقي الذي كسر الجمود في الأزمة الليبية هو المظاهرات الشعبية التي نظمها الشباب في غالبية المدن الليبية بدءً بطرابلس والزاوية وسبها ومرورا ببنغازي وطبرق، للتنديد بتردي الظروف المعيشية وأزمة الكهرباء والسيولة النقدية وفساد مسؤولي الدولة"، مبينا أن "هؤلاء الشباب أعربوا عن استيائهم البالغ إزاء المعاناة التي لا تنقطع والحلول التلفيقية التي تطيل بقاء الليبيين في هذا الوضع الهش".

واشار الإدريسي إلى أن "الساسة أدركوا أن الشارع نفد صبره وعرفوا قوته، فرضخوا واتفقوا على تقديم تنازلات من أجل المضي نحو تسوية سياسية تخرج البلاد من دوامة العنف بدلا من جرها لخطر الانفجار على رؤوس الجميع، وحينئذ لن يخرج أحد منتصرا".

وكذلك قال عبد السلام الغرياني، المهندس في شركة نفطية، مثل قوله إذ أكد أن "الفرقاء الليبيين أدركوا هذه المرة أن الخلاص في التفاهم بينهم لإنقاذ بلدهم بدل الاستقواء بالخارج للاقتتال بين الأشقاء".

واعتبر الغرياني أن "ضغوط الدول الأجنبية ستكون لها تأثيرات هامشية لأن الليبيين استشعروا الخطر المحدق، ويريدون الآن طي صفحة هذه الأزمة"، مضيفا أن "دعاة الحرب كحفتر اقتنعوا اليوم بأنهم لا يستطيعون الوصول إلى السلطة بعد هزيمة طرابلس. وما بقي لهم هو إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر إيجاد مخرج مشرف".

وأشار إلى أن الأمريكيين "لن يغضوا الطرف مستقبلا عن النفوذ المتنامي لروسيا في ليبيا، وهو ما تجلى في العقوبات التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ضد الشركات والأفراد الذين يعملون لترسيخ الوجود الروسي في البلاد"، مذكرا بأن "الأمريكيين بذلوا، في الأشهر الأخيرة، جهودا كبيرة للبحث عن حل، من خلال سفيرهم ريتشارد نورلاند، وذلك ما أثمر الاتفاق على رفع الإغلاق عن المنشآت النفطية".

وبما أن الموعد الذي حدده رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، سيحل أواخر أكتوبر المقبل، لتسليم مهامه، فإن المفاوضات السياسية في جنيف ستتمحور حول تشكيل مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية، وفق المراقبين الذين يتوقعون مفاوضات أكثر سهولة للتوصل إلى هذا الهدف في أسرع وقت ممكن.

وأمام هذا الملل العام في ليبيا بعد كل هذه السنوات التي تحمل فيها المواطنون أصناف المشقات، تقع مسؤولية كبيرة على عاتق المشاركين في المنتدى السياسي الليبي كي يكونوا على مستوى تطلعات مواطنيهم الذين يتوقون إلى تسوية تعيد إلى بلادهم السلم والاستقرار حتى تبدأ مرحلة إعادة الإعمار وبناء دولة جديدة يحلم بها كافة أبناء ليبيا.

-0- بانا/ي ب/س ج/25 سبتمبر 2020