الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

حيرة الليبيين أمام الفرص الضائعة من قبل السياسيين لحل أزمة البلاد

طرابلس-ليبيا (بانا) - أدى استمرار الأزمة السياسية في ليبيا والفوضى الأمنية ، بعد أكثر من ثماني سنوات من الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011 ، إلى تأجيج غضب وسخط الليبيين.

ويتزايد هذا الغضب يوميا على السياسيين والفاعلين الاجتماعيين الذين احتلوا المشهد السياسي في البلاد منذ عام 2011 ، وهم يهدرون الفرص الواحدة تلو الأخرى وأبانوا عن عدم قدرتهم على التأثير في مجريات الأمور وإخراج البلاد من دوامة العنف وتدهور الظروف الاقتصادية.

وتلبدت آفاق السلام تماما بالغيوم مع مر السنين، وتقلصت إلى حد كبير احتمالات إعادة البلاد إلى سكة الاستقرار ، وهيمنت عليها النزعات القتالية التي تحرك مختلف الليبيين المتحاربين ابتغاء تحقيق مكاسب عسكرية افتراضية لحكم البلاد.

ويأتي ذلك على حساب المصالح الحقيقية للبلاد والليبيين في الاستقرار والأمن والرخاء والازدهار لتخدم فقط المصالح الأنانية لبعض الشخصيات وبعض الأطراف المستفيدة من حالة الفوضى الملائمة لأعمالهم.

وقال الأكاديمي الليبي العماري النفات لبانابريس إنه "كلما اقتربت البلاد من فرصة لإيجاد حل لتسوية الأزمة السياسية والأمنية المزدوجة، تنشأ عقبة جديدة تعيدها لنقطة الصفر. أو يتم خلقها من العدم فقط لمنع الوصول إلى نتائج أشهر أو حتى سنوات من الجهد لإيجاد تسوية".

ووفقا له ، "لقد أثر هذا الوضع بشكل كبير على الليبيين الذين يشعرون بالإحباط واليأس أمام الطبقة السياسية التي لا تعمل على وضع حد لمعاناتهم، ولا سيما الحرمان بجميع أنواعه وسلسلة أزمات الأدوية والسكن والكهرباء والسيولة وغيرها التي أدت إلى إفقار المواطنين في بلد يزخر بالموارد النفطية".

وقال المحلل السياسي الليبي محمود رحومة إن "مؤتمر برلين الدولي الذي يمثل فرصة كبيرة لليبيا لإيجاد حل سياسي للأزمة، يوشك أن تكون نتيجته الفشل أمام تعاظم أطماع وأنانية بعض الدول "، معربا عن أمله في أن يكون "اجتماع برلين هذا الذي يمثل خلاصة المبادرات والاجتماعات التي سبقته قد اتخذ كل الاحتياطات اللازمة لتجنب الأخطاء وأوجه القصور في التجارب السابقة ".

وأكد رحومة أن "التركيز تم على مشاركة القوى الكبرى الأعضاء في مجلس الأمن من أجل مواءمة مواقف المجتمع الدولي داخل الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمسألة الليبية، لضمان نجاح أي خطة سلام ، ولا سيما مراقبتها وتنفيذها ".

وأضاف "إن الأمر الأساسي هو إصدار  قرار ملزم لوقف إطلاق النار لصالح استئناف العملية السياسية بين الليبيين للتوصل إلى اتفاق، وتعزيز شروط الحظر على الأسلحة المفروض على ليبيا لوقف تدفق الأسلحة والحد من تدخل الدول الأجنبية في الشأن الليبي وممارسة الضغوط على الاطراف الليبية المتنازعة للقبول بمخرجات مؤتمر برلين".

الموقف نفسه تبناه علاء محمد القماطي ، وهو أحد المديرين التنفيذيين في شركة اتصالات بطرابلس، الذي اعتبر أن "مؤتمر برلين يتهدده الخطر بسبب تصاعد العنف الذي حدث في الآونة الأخيرة حول طرابلس مع تكثيف القتال الدائر منذ 4 أبريل الماضي، تاريخ بدء الهجوم العسكري من قبل قوات الجيش الوطني الليبي التابعة للمشير خليفة حفتر المتمركزة شرق البلاد للسيطرة على العاصمة والإطاحة بحكومة الوفاق الوطني ، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي ".

وحذر من المواجهة العسكرية المباشرة بين القوى الإقليمية الأجنبية في ليبيا خصوصا بعد توقيع حكومة الوفاق الوطني الليبية لاتفاقية أمنية ودفاعية مع الحكومة التركية التي اعلنت مساندتها لفائز السراج واستعدادها لدراسة كل الامكانيات الجوية والبحرية لتحقيق ذلك وأرسال مزيد من المساعدات في حال طلب منها ذلك.

وقال القماطي إن "مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا وفرنسا ، والموجودة بالفعل على نطاق واسع إلى جانب حفتر ، بامكانكم الانخراط بشكل متزايد في الأمة الليبية، ردا على الدعم التركي ، ما قد يهدد بمواجهات عنيفة فوق الأراضي الليبية ".

أما وليد عاشور الحسوني أستاذ العلوم السياسية في إحدى كليات طرابلس، فأعرب عن أسفه لكون أنه بعد "ثورة 17 فبراير 2011 التي اندلعت بدوافع نبيلة لتحقيق المساواة والكرامة والطموح إلى الحرية والتوزيع العادل للثروة، تم الوصول الى الوضع الراهن من فقدان البوصلة بالنسبة للسياسيين الليبيين الذين انحرفوا عن هذه الأهداف النبيلة وبدأوا يتصارعون حول قضايا السلطة ، متجاهين أولويات الشعب الليبي ".

وبالنسبة له فقد "بدأ كل شيء في العام 2012 بعد انتخابات المؤتمر الوطني العام (السلطة التشريعية العليا) ، المفترض فيها أن يدير عملية الانتقال السياسي التي من شأنها أن تجعل من الممكن تزويد البلاد بمؤسسات دائمة تنشئ ديمقراطية قائمة على حكم القانون والتناوب في السلطة عبر صناديق الاقتراع ، عندها غرقت البلاد في الاستقطاب السياسي بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وما يسمى بالأحزاب الليبرالية".

وأشار إلى "التوترات السياسية التي نشأت في ذلك الحين بين التيارين والتي انتهت لصالح التيار الاسلاميين الذين سيطروا على المؤتمر الوطني العام وبدأت بذلك فترة عدم استقرار داخل هذه الهيئة التشريعية العليا للبلاد".

وأوضح الحسوني أن "المناورات والمؤامرات والمنازعات السياسية للاستحواذ على السلطة بدلا من التحضير لاستكمال عملية الانتقال السياسي أدت بين 2012 و2014 إلى انتقال رئاسة المؤتمر الوطني العام من محمد المقريف الذي تولى هذا المنصب في أغسطس 2012 إلى نوري بوسهمين عام 2013 بالإضافة إلى تعيين ثلاثة رؤساء للحكومة المؤقتة وهم مصطفى أبو شاقور الذي لم ينجح في تشكيل وزارته ثم علي زيدان وعبدالله الثني".

وأضاف أن "الاستقطاب في ليبيا بلغ أوجه بين 2012 و2013 مع ظهور تيار الفدراليين في شرق البلاد الساعين للحكم الذاتي في إقليم برقة إلى جانب وجود مجموعات مسلحة ومليشيات تطالب بشرعنتها نظير مساهمتها في قلب نظام معمر القذافي عام 2011. وأصبحت هذه المليشيات هي المسيطرة على كل شيء على الارض مستفيدة من انهيار هياكل ومؤسسات الدولة خاصة المؤسسات الامنية والعسكرية وأصبحت البلاد رهينة بين أيديهم".

وأدان الليبييون ذالك معتبرين المليشيات مسؤولة عن كل الآلام خاصة عن انعدام الامن السائد في البلاد. وأدى ذلك للمطالبة بمغادرتهم جميع المدن خاصة العاصمة طرابلس.

وأكد معتصم اللافي ، وهو ناشط في المجتمع المدني في ليبيا ، أن "فرصة أخرى لإعادة البلاد إلى مسارها قد أضاعها السياسيون الليبيون ، وهي الانتخابات التشريعية التي ، بدلا من أن تكون بمثابة "الفرصة للتقدم نحو الانتقال ، شهدت تمزقا جديدا أدخل البلد في أحلك فترة بسبب انتشار الفوضى وانعدام الأمن الذي أدى إلى دولة برأسين (بحكومتين)".

ووفقا له ، فإن "رفض أحزاب التوجهات الإسلامية قبول هزيمتهم أدخل البلاد في محرقة ادت الى عملية " فجر ليبيا " العسكرية، مما أدى إلى إحراق مطار طرابلس وإغلاقه وكذلك رحيل الجماعات المسلحة التابعة للزنتان (الجنوب الشرقي لطرابلس) المسؤولة عن تأمين المطار ورحيل السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية بعد تدهور الأمن في مدينة طرابلس".

وأضاف أن "انطلاق عملية "الكرامة" في بنغازي (شرق البلاد) من قبل اللواء خليفة حفتر المتقاعد في ذلك الوقت، لاجتثاث المجموعات الاسلامية المتطرفة من المدينة فتح الباب أمام فترة من العنف وانعدام الاستقرار في شرق البلاد، موضحا "أن انعكاسات هذا الوضع أدت إلى ظهور حكومتين واحدة في طرابلس وتسمى حكومة الوفاق الوطني ناجمة عن اتفاق الصخيرات الموقع في المغرب عام 2015 تحت رعاية الامم المتحدة والمعترف به دوليا وحكومة أخرى اطلق عليها اسم الحكومة المؤقتة التي فرت عام 2014 من العاصمة ولجأت إلى مدينة البيضاء (شرق ليبيا) والمدعومة من البرلمان الليبي القائم في مدينة طبرق بأقصى شمال شرق البلاد والمتحالف مع خليفة حفتر.

ومن جانبه، أرجع فادي ابراهيم الكيلاني وهو صحفي ليبي "اسباب هذه الفرص المهدورة (فرص التوصل إلى حل) إلى تدخلات الأطراف الأجنبية التي تدعم أحد أطراف النزاع الليبي خدمة لمصالحها دون مراعات لمصالح الليبيين".

ويلتقي هذا الرأي مع ما صرح به اللواء أسامة الجويلي قائد المنطقة الغربية التابع لحكومة الوفاق الوطني في مقابلة مع تلفزيون "فرنسا 24" حيث قال "لا يوجد أساسا ما يفرق بين الليبيين الذين يستطيعون التفاهم بصورة جيدة. لكن التدخلات الاجنبية هي التي زرعت الفرقة بين الليبيين ودفعت بهم إلى المواجهات".

وهذا ما عكسه الموقف الامريكي الاخير الذي جاء على لسان الناطق باسم الخارجية الامريكية مورجان أورتاغوس الذي عبر، في بيان يوم السبت الماضي، عن قلقه من تصاعد العنف في طرابلس أن "الحوار الاقتصادي الشامل بين الولايات المتحدة وليبيا الأخير المنعقد في تونس أظهر أن تحقيق نتائج أمر ممكن لو أن الفاعلين الخارجيين يمكنوا الليبيين من مساحتي الزمان والمكان للمصالحة مع بعضهم البعض".

-0- بانا/ع ط/ 23 ديسمبر 2019