الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

ضمان إجراء الانتخابات في ديسمبر أهم تحديات المؤتمر الدولي حول استقرار ليبيا

طرابلس-ليبيا(بانا)- ستكون أنظار العالم، اليوم الخميس، مشدودة إلى العاصمة الليبية طرابلس التي ستستضيف المؤتمر الدولي المعني بمبادرة استقرار ليبيا، وهو اجتماع على المستوى الوزاري يهدف إلى حشد دعم المجتمع الدولي لاستكمال العملية السياسية في هذا البلد الواقع بشمال إفريقيا، عبر تتويجها أساسا بتنظيم الانتخابات العامة المقررة يوم 24 ديسمبر القادم والتي تهددها خلافات بين مختلف الأطراف الليبية.

وسيجمع هذا اللقاء الوزاري التاريخي، باعتباره أول اجتماع بهذا الحجم والقدر من الأهمية يقام على الأرض الليبية خلال عقد من الزمن بمبادرة من الليبيين ولتحقيق أهداف حددها الليبيون، 28 دولة وأربع منظمات دولية.

وسيكون الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة -الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا- حاضرين في اللقاء، إلى جانب البلدان المعنية بالملف الليبي، مثل تركيا، ومصر، وقطر، والإمارات العربية المتحدة.

كما ستشارك بلدان الجوار، كل من تونس، والجزائر، والنيجر، والسودان، وتشاد، وإيطاليا، ومالطا، في هذا اللقاء الذي سيشهد أيضا مشاركة البلدان المعنية بالوساطة، وهي المغرب، والكونغو التي ترأس لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا، والكونغو الديمقراطية التي تتولى الرئاسة الدورية للمنظمة القارية.

أما المنظمات الدولية التي ستشارك في مؤتمر دعم استقرار ليبيا، فتتمثل في كل من الاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، باعتبارهم يشكلون اللجنة الرباعية لملتقى التشاور حول ليبيا.

ولدى استعراضها لأهداف هذا المؤتمر، أوضحت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، أن الأمر يتعلق بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، لا سيما مغادرة المرتزقة والمقاتلين والقوات الأجنبية، وتطبيق مخرجات وتوصيات مؤتمري برلين 1 و2 وقراري 2570 و2571 الصادرين عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تمهيدا لإجراء انتخابات عادلة وشفافة يقبل بنتائجها الجميع.

وتتضمن المبادرة المعنية باستقرار ليبيا أيضا مسارين عسكري واقتصادي، عبر توحيد الجيش الليبي، وتحسين الظروف المعيشية لليبيين بتجسيد برامج حكومة الوحدة الوطنية من خلال تنفيذ مشاريع البنية التحتية الأساسية.

وفيما يخص الشق العسكري المتعلق خصوصا بمغادرة المرتزقة والقوات الأجنبية، فقد تسنى إحراز تقدم هام تجسد في مصادقة اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" (خمسة ضباط كبار عن كل واحد من طرفي النزاع) وتوقيعها على خطة عمل تنص على الانسحاب التدريجي والمتوازن والمتزامن للمرتزقة والمقاتلين والقوات الأجنبية.

وتأكيدا على هذا التقدم، أعلن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيش، يوم 10 أكتوبر الجاري، عن بدء عمل المجموعة الأولى من المراقبين الدوليين لوقف إطلاق النار، خلال المرحلة الأولى حتى استكمال الترتيبات المرتبطة بانتشارهم في سرت.

وفي رسالة موجهة إلى أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، أوردتها صحيفة "الوسط"، ذكر كوبيش أن "عناصر مراقبة وقف إطلاق النار بالبعثة مكلفون بتقديم الدعم لآلية مراقبة وقف إطلاق النار التي تديرها وتشرف عليها ليبيا".

وشدد، في رسالته، على أن المراقبين "سيعملون في تعاون وثيق مع اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والأطراف الليبية المعنية، طبقا لقرار مجلس الأمن"، على التسريح وإعادة الإدماج، وإصلاح قطاع الأمن في ليبيا.

ويرى الخبير العسكري الليبي عبدالسلام الهوني أنه "يبقى أمام المؤتمر تثبيت وتأكيد دعمه لنتائج لجنة 5+5 ، لتمكينها من تجسيد خطة عملها حول خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب"، مضيفا أنه "من الضروري أن تلقي الولايات المتحدة بكل ثقلها، مع جميع حلفائها الأوروبيين، للضغط على روسيا وتركيا حتى يتحقق هذا الخروج قبل انتخابات ديسمبر".

وأوضح أن "الليبيين ليست لديهم إمكانيات لإخراج هؤلاء المرتزقة والمقاتلين والقوات الأجنبية"، معتبرا أن "هذه مسألة تتجاوز الإطار الليبي وتتطلب مظافرة جهود البلدان الغربية للوصول إلى إنهاء هذا التواجد الأجنبي المسلح".

وأثار الهوني الانتباه، مع ذلك، إلى "وجود عقبة كبيرة تكمن في الثقل الذي تمثله روسيا، باعتبارها دولة عضوا في مجلس الأمن تتمتع بحق الفيتو، ويمكنها عرقلة أي خطوة ملزمة على مستوى الأمم المتحدة بشأن إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجنبين من ليبيا".

وأضاف أن "مسألة التواجد الأجنبي المسلح لن تتمكن من تسويتها إلا السلطات التي ستتمخض عن الانتخابات المقبلة لأنها تتمتع بشرعية جديدة تؤهلها للمطالبة بهذه المغادرة، متحررة من أي ضغط أو اعتبار آخر".

ويشكل تنظيم الانتخابات المحور الذي يشغل بال جميع الليبيين الذين ينتظرون من المؤتمر الدولي لدعم استقرار ليبيا اتخاذ إجراءات ملموسة تقود فعليا إلى إجراء هذه الانتخابات لطي صفحة المراحل الانتقالية التي ساهمت، على مدى السنوات الماضية، في تسميم الوضع وإضعاف البلاد، حائلة دون إعادة الإعمار وإرساء مؤسسات دائمة.

وبالفعل، فإن آمال جميع الليبيين معقودة على تنظيم هذه الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تشكل جزء من خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي بصورة توافقية.

وتحظى هذه الاستحقاقات الانتخابية كذلك، على الأقل ظاهريا، بالإجماع لدى السلطات الليبية وكذلك بين القوى الدولية والإقليمية وبلدان الجوار، باعتبارها حلا يضع حدا للأزمة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات والتي تتمحور أساسا حول شرعية المؤسسات الحالية.

وعلى الرغم من اعتماد القوانين الانتخابية من قبل البرلمان الذي حدد يوم 24 ديسمبر القادم موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية ويوم 24 يناير 2022 موعدا للانتخابات التشريعية، إلا أن غياب توافق حول هذا التشريع الانتخابي، لا سيما اعتراض المجلس الأعلى للدولة عليها، يهدد بعدم القبول بنتائج الانتخابات فيما لو أجريت بمقتضى هذه القوانين.

وأكد المحلل السياسي الليبي فتحي المجبري أن "المشاركين في المؤتمر، لا سيما الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية، يأملون في تنظيم الانتخابات حتى في ظروف غير مثالية، لأنهم يعتقدون أن ذلك سيسمح لليبيين باختيار مسؤوليهم بأنفسهم".

واقترح المجبري، على ضوء ذلك، أن "تمارس هذه البلدان ضغوطا على مختلف الأطراف، بما في ذلك من خلال عقوبات استهدافية وعمليات عسكرية دقيقة، عبر ضربات لردع كل من يعرقل تنظيم الانتخابات".

وأعرب المجبري عن مخاوفه من إمكانية "تأجيل إجراء الانتخابات بسبب استمرار الخلافات، في غياب آفاق تسوية على المدى القصير"، محذرا من "تذرع البعض بالوضع الأمني أو بغياب التوافق حول القوانين الانتخابية ليقرروا تأجيل الانتخابات".

ونبه إلى أن "احتمالية تأجيل الانتخابات من شأنها إشعال الصراع في البلاد، حيث أن الليبيين مصممون على تنظيم انتخابات بأي ثمن، لأنهم ضاقوا ذرعا من استمرار معاناتهم ويرغبون في اختيار مسؤوليهم بأنفسهم حتى يبصروا نهاية النفق بعد كل هذه السنوات من الحرمان والاشتباكات المسلحة وانعدام الأمن".

وأكد المحلل السياسي أن "كل البلدان المشاركة في المؤتمر، بما يشمل القوى الغربية العظمى، ستشدد على ضرورة تنظيم الانتخابات، حتى وإن لم تكن القوانين مثالية، لأنها ترى في الانتخابات أخف الأضرار والحل الوحيد في ليبيا، بالنظر إلى تعقيد الوضع والأبعاد الدولية للملف مع تشعباته الإقليمية والرهانات المرتبطة بالمصالح التي تدافع عنها بعض البلدان في ليبيا".

لكن هذا المؤتمر يظل فرصة تسمح لليبيين بترجيح مصلحة بلادهم، عبر التوجه بثبات نحو السلام والاستقرار، وتحصين استقلال ليبيا وسلامة أراضيها أمام أطماع البلدان الأخرى.

-0- بانا/ي ب/ع ه/ 21 أكتوبر 2021