الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

آثار الصراع المسلح تعرقل جهود تسوية الأزمة الليبية

طرابلس-ليبيا(بانا)- خلّف نحو عقد من الصراع المسلح المتواصل في ليبيا شروخا عميقة في المجتمع الليبي ألقت بظلالها على منتدى الحوار السياسي الليبي المنعقد برعاية الأمم المتحدة، حيث ظهرت عقبات في سبيل التوصل إلى حل رغم النية الحسنة التي يبديها المشاركون وعزمهم على إخراج البلاد من دوامة العنف وعدم الاستقرار الذي جعل الليبيين على شفا حرب أهلية.

ويرى المراقبون أن مناشدات الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز، للمشاركين في الاجتماع الافتراضي الثاني في الجولة الثانية من منتدى الحوار السياسي المنعقدة يوم الأربعاء، بأن يأخذوا بعين الاعتبار تردي الوضع في البلاد وضرورة تسريع الجهود الرامية لحل المسائل الخلافية، خاصة معايير اختيار الشخصيات المرشحة لمناصب السلطة التنفيذية، تعكس شعورا بالإحباط وبداية نفاد الصبر.

وبالنسبة للأستاذ الجامعي الليبي، صلاح مفتاح الحاسي، "عندما تريد ستيفاني وليامز أن تثير حساسية المندوبين الليبيين بتذكيرهم بإلحاح المشاكل الصحية ووجود 1,3 مليون ليبي سيحتاجون للمساعدة الإنسانية العاجلة في 2021، وضرورة المضي قدما لتحقيق أشياء ملموسة حتى يتسنى قطع خطوات إلى الأمام، فإن ذلك يكشف عن غياب أي تقدم بل الوصول إلى طريق مسدود خلال الاجتماعين الافتراضيين لمنتدى الحوار السياسي الليبي".

وأكد الحاسي أن "المندوبين الليبيين المشاركين في المنتدى يدركون جيدا الصعوبات التي يلاقيها الليبيون وحالة الامتعاض التي عبر عنها المواطنون من جميع المدن الليبية في أغسطس الماضي، من خلال التنديد بالفساد وغياب الخدمات الأساسية وشح المواد الأساسية والمعاناة التي يواجهونها".

وأشار إلى أنه "فطن إلى أن الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، لم تذكر أي حصيلة في بيانها الصادر في ختام الاجتماع الافتراضي الثاني"، لافتا إلى أن "المسؤولة الأممية تبادر، عادة، بإعطاء التفاصيل عن نتائج الاجتماعات وتحدد فيها الإجراءات المتخذة التي قد تعد علامة على النجاح".

وفي مداخلتها خلال اختتام الاجتماع، ذكّرت وليامز المشاركين في الحوار السياسي بالمسؤولية الملقاة على عواتقهم، مشيرة إلى حصول تقدم في المسارات الأخرى من عملية برلين، المسار الاقتصادي والمسار العسكري على الأخص.

كما ذكّرتهم باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف يوم 23 سبتمبر الماضي، في إطار اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، منبهة إلى أن الضباط يعولون كثيرا على التقدم في المسار السياسي، خاصة توحيد المؤسسات لتهدئة الوضع في البلاد واستعادة الاستقرار فيها.

وأضافت المسؤولة الأممية أن عقد لقاءات مباشرة أخرى يعتمد على تحقيق تقدم في معالجة القضايا العالقة المتعلقة بتشكيل السلطة التنفيذية المكلفة بالمرحلة الانتقالية حتى تنظيم انتخابات عامة في 24 ديسمبر 2021.

ويشار هنا إلى أن الجولة الأولى من الاجتماعات المباشرة لمنتدى الحوار السياسي الليبي التي عقدت في تونس، أبدى المشاركون فيها روحا توافقية حيث توصلوا في أول جلساتهم إلى اتفاق على خارطة طريق تحدد المرحلة الانتقالية وموعد تنظيم الانتخابات العامة في ديسمبر 2021.

بيد أن الخلافات ظهرت عندما بدأت مناقشة اقتراح الأسماء المرشحة للمشاركة في سلطة تنفيذية جديدة تتشكل من مجلس رئاسي مكون من رئيس ونائبين ووزير أول مستقل يقود حكومة وحدة وطنية ستعمل على توفير الخدمات الأساسية لليبيين.

الناشط السياسي الليبي، عمر أحمد هدية، يؤكد أن "أخبارا تحدثت عن محاولات لرشوة بعض المشاركين في منتدى الحوار السياسي بتونس من أجل التصويت على مرشح بعينه"، مشيرا إلى أن "مبالغ هائلة عُرضت كرشوة، مما أفسد النقاشات وأثار الخلافات".

وقال إن "هذه القضية تطرقت لها ستيفاني وليامز التي أعلنت أن المشكلة أحيلت إلى فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة فضلا عن إبلاغ مكتب النائب العام الليبي"، مضيفا أن "اختيار سلطة تنفيذية جديدة والشخصيات التي ستقود هذا الجهاز ما زال يمثل مشكلة كبيرة، على ما يبدو".

ويعتقد هدية أن "ما لم يمكن تحقيقه في اللقاءات المباشرة بين المندوبين الليبيين في تونس، لن يتحقق في اجتماعات افتراضية لا يمكن خلالها التحكم وإبعاد تأثير الناس أو التدخل في اختياراتهم ومواقفهم".

وفي هذا الصدد، اقترحت الممثلة الخاصة بالإنابة على المشاركين في منتدى الحوار السياسي بدائل منها التصويت بالهاتف وتأكيد هذا التصويت بمكتوب بعد ذلك.

وفي تحليله لأسباب هذه الخلافات بين الليبيين حول تشكيل السلطة التنفيذية، قال المحلل السياسي الليبي، مفتاح الشريف، "إن هذه الخلافات تؤججها آثار الحرب والمواجهات العسكرية طوال كل هذه السنوات والتي ألحقت ضررا دائما بالنسيج الاجتماعي الليبي وضربت بشدة الثقة بين أبناء الوطن الواحد".

واعتبر أن "الفوضى الأمنية المنتشرة في البلاد حيث الجرائم على الهوية، والتعذيب والاعتقالات التعسفية والاختطافات وحصار المدن، خلقت عداوات بين بعض الليبيين"، مضيفا أن "حرب طرابلس فاقمت الانقسامات بين الليبيين ودفعت البعض إلى رفض الآخر، مع اللعب على وتر القبيلة والمنطقة وحتى المدينة والحي".

وذكّر بأن "طرفي الصراع رغم أنهما ليسا على قدم المساواة حيث أن أحدهما هو المعتدي الذي بدأ الهجوم، والآخر كان في حالة دفاع، إلا أن كليهما لجأ إلى شيطنة الآخر، واستعان بالخارج لدحر الطرف المقابل".

من جانبه، ذكّر المناضل في المجتمع المدني الليبي، عبدالمالك الشايب، بأن "طرفي حرب طرابلس استخدما وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع لنشر العداوة والبغضاء والفرقة والتحريض على العنف، مما خلّف آثارا وجروحا غائرة لدى البعض وحرض بعض الليبيين على بعض".

وأبدى أسفه لأن "البداية لم تكن بتحقيق المصالحة الوطنية عبر فتح نقاشات بين الليبيين لإقناعهم بضرورة الاتحاد وإعادة الاستقرار إلى بلادهم لكي يحافظوا على مواردها الاقتصادية وثرواتها وليصونوا سيادتها واستقلالها".

ويرى الشايب أنه "لا بد أولا من تهدئة النفوس وجمع الليبيين على طاولة الحوار، لكي يفهموا ويقتنعوا  بأن مصلحتهم جميعا تكمن في توحيد البلاد وبناء دولة قائمة على المؤسسات والتناوب السلمي على السلطة، وحينئذ سيمكن التوجه إلى الانتخابات".

وأكد أن "على الليبيين أن يقبلوا ويتعودوا على أن الموجودين في السلطة وصلوا إليها بقوة صناديق الاقتراع وأن هناك آخرين في المعارضة لأنهم لم يفوزوا بالأصوات اللازمة، وأن يقبل الخاسر بنتائج الانتخابات ويصبر حتى يأتي دوره في الاستحقاقات الانتخابية الموالية طبقا لمبدإ التناوب على السلطة وقواعد الديمقراطية".

وأشار إلى أن "اجتماعات أعضاء مجلس النواب من طرابلس وطبرق، في طنجة بالمغرب قد تساهم في تحقيق المصالحة وتسريع اختيار أعضاء السلطة التنفيذية عبر التوافق على ترتيبات وتفاهمات تغلب مصلحة البلاد وتزودها بسلطة جديدة".

وقد التقى أكثر من 100 نائب في طنجة بالمغرب واتفقوا على الاجتماع في غدامس (حوالي600 كلم جنوب غرب طرابلس) لعقد جلسة علنية من شأنها توحيد هذه المؤسسة المنقسمة بين مجموعتين إحداها في طبرق والأخرى في طرابلس.

كما اعرب رئيس مجلس إدارة مجموعة "الوسط" الإعلامية، محمود شمام عن تفاؤله إزاء العملية السياسية الجارية رغم العقبات.

وأكد شمام، وزير الإعلام السابق في المجلس الوطني الانتقالي، أن "التسوية السياسية تسير قدما في الطريق الصحيح رغم العراقيل التي يضعها المستفيدون من الوضع القائم لبقاء الأمور على ما هي عليه".

وكتب في تدوينة له على فيسبوك، "ندعو اجتماع المغرب (اجتماع النواب) إلى توحيد المؤسسة البرلمانية رغم انقضاء مدتها، حتى تستطيع الوصول بنا إلى انتخابات عادلة وتشكيل حكومة خدمية مكونة من خبراء وطنيين".

وأضاف "ندعو أيضا منتدى الحوار الوطني إلى تشكيل جهاز تنفيذي تنتهي مهمته أواخر العام القادم، وإلا فسنقع في فخ التمديد الذي أثار حروبا سابقة"، مؤكدا أن الخطر الوشيك على بناء الدولة يكمن في السلاح والتسليح، والفساد المالي في مختلف المؤسسات مع تأثيراتهما الخطيرة على نزاهة الانتخابات".

ويرى المحللون أن الليبيين سنحت لهم فرصة تاريخية، برعاية الأمم المتحدة، لتحقيق السلام وتسوية الأزمة عبر تغليب المصلحة العليا لبلدهم على كل اعتبار آخر، لكنهم يؤكدون أن العقبات لا يمكن تذليلها إلا بوجود إرادة سياسية لدى كافة الفرقاء الليبيين.

-0- بانا/ي ب/س ج/27 نوفمبر 2020