الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

وقف إطلاق النار شرط أساسي لنجاح العملية السياسية في ليبيا، فهل يفرضه مجلس الأمن؟

طرابلس-ليبيا(بانا)- تبحث الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر الدولي حول ليبيا المزمع تنظيمه الخريف القادم في برلين بألمانيا، أساسا للشروط المسبقة لنجاح هذا اللقاء الرامي إلى إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، وعلى رأس هذه الشروط وقف دائم لإطلاق النار، يرى المحللون أن مجلس الأمن سوف يفرضه على الفرقاء الليبيين.

وقد شدد المبعوث الأممى إلى ليبيا غسان سلامة، على أهمية وقف إطلاق النار، في خطته لتسوية الأزمة والتي تضمنت ثلاث مراحل، تتعلق الأولى منها بهدنة إنسانية تصاحبها إجراءات لإرساء الثقة بين مختلف الفرقاء، ومنها على الأخص تبادل السجناء وجثامين القتلى بين طرفي الحرب.

وبعد ذلك، يجب العمل لتحويل الهدنة الإنسانية إلى وقف دائم لإطلاق النار يفسح المجال لاستئناف العملية السياسية في ظروف هادئة، تساهم في ضمان نجاحها.

وتتعلق المرحلتان الأخرتان من خطة المبعوث الأممي التي قدمها، مطلع أغسطس، أمام مجلس الأمن الدولي، بمؤتمرين، أحدهما دولي يجمع الدول الأجنبية المعنية بالملف الليبي، والآخر بين الأطراف الليبية ويهدف إلى استكمال العملية السياسية وصولا إلى اتفاق سياسي.

المؤتمر الدولي سوف يتمحور حول سبل تنفيذ أعمال لإبداء "حسن النية" سواء تجاه الفرقاء الليبيين أو تجاه الدول المشاركة في هذا اللقاء، وفقا لوزارة الخارجية الألمانية.

وإدراكا لصعوبات وتعقيدات الأزمة الليبية وأخذا بالبراغماتية، لم تضع الدبلوماسية الألمانية للمؤتمر أهدافا محددة كالتوصل إلى اتفاق أو اتخاذ إجراءات ملزمة ربما يتبين لاحقا أنها غير ممكنة التطبيق على الأرض.

المحلل السياسي، سالم رمضان، يعتقد أن "جهود المجتمع الدولي تنصب على التهدئة من خلال إسكات أصوات السلاح، ما سيسهل عقد المؤتمرين الهامين ويسمح كذلك بالتوصل إلى حل نهائي للأزمة الليبية".

وأكد أن "وقف إطلاق النار الدائم وحده هو ما سيضمن هذه الظروف اللازمة لنزع فتيل التصعيد. وفي حال العكس، فإن المواجهات المسلحة الدائرة قرب طرابلس سوف تؤجج التوتر وتذكي نزعة الانتقام وتدفع الأطراف السياسية الليبية نحو مزيد من الراديكالية والتصلب على مواقفها بدل تقديم تنازلات متبادلة".

من جانبه، يؤكد صلاح المنقوش، أستاذ العلوم السياسية في إحدى الجامعة الليبية، أن "وقف إطلاق النار سوف يُفرض على الفرقاء المتحاربين من طرف مجلس الأمن"، مستدلا على ذلك بأن الهيئة الأممية "عندما أقرت تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وسعت صلاحياتها لتشمل الإشراف على وقف إطلاق النار".

وأوضح أن "هذا التوسيع يشمل الإشراف على وقف إطلاق النار ليس اعتباطيا، بل يأتي استجابة لطلب من غسان سلامة، ويهدف في المقام الأول، إلى فرض وقف إطلاق النار من خلال قرار أممي".

واعتبر المنقوش أن "الفرقاء لن يقبلوا طواعية وتلقائيا وقف إطلاق النار بسبب المتطرفين في كلا الطرفين الذين يدفعون باتجاه التشدد والحل العسكري رغم أن أي طرف لم يحقق مكاسب ملموسة على الأرض".

وكان مجلس الأمن الدولي تبنى، في 12 سبتمبر الجاري، قرارا يمدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى 15 سبتمبر 2020، مع توسيع صلاحياتها لتشمل إعلان وقف إطلاق النار والإشراف على تطبيقه وإدارة المراحل اللاحقة من الفترة الانتقالية، خاصة عملية صياغة الدستور وتنظيم الانتخابات.

وستمارس البعثة هذه الصلاحيات الجديدة إلى جانب مهامها التقليدية "الإشراف على العملية السياسية الشاملة وحوار أمني واقتصادي، ومواصلة تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي وتعزيز الترتيبات التي اتخذتها حكومة الوفاق الوطني في مجال الحكامة والأمن والاقتصاد بما في ذلك دعم الإصلاح الاقتصادي والتعاون مع المؤسسات المالية الدولية".

الناشط في المجتمع المدني، هشام البدري، يتبنى كذلك فكرة فرض مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار مؤكدا أن "الاجتماع التحضيري للمؤتمر الذي عُقد في برلين بألمانيا، وضم ممثلين من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا ومصر وروسيا والصين وتركيا والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية والمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، وضع الخطوط العريضة لقمة القادة المزمع عقدها في شهر أكتوبر المقبل".

وأشار إلى "حضور الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن للاجتماع المخصص للتوافق حول قرار بفرض وقف إطلاق النار في ليبيا"، مبينا أن "وقف القتال لا يمكن أن يحصل إلا من خلال قرار ملزم".

ولفت البدري كذلك إلى أن "بعثة الأمم المتحدة سوف تُكلف بمراقبة وقف إطلاق النار عبر رسم خط فاصل بين طرفي القتال"، مضيفا أنها "سوف تستفيد من المساعدة الفنية للبلدان الغربية، وعلى الأخص، القوى الكبرى التي سوف تزودها بصور الأقمار الصناعية لتحديد أي انتهاك لوقف إطلاق النار ومعرفة مصدره".

وللتذكير، فإن غسان سلامة نبه إلى أن مراقبة وقف إطلاق النار تتطلب خطا فاصلا بين طرفي القتال ووسائل فنية للإشراف عليه وقوة للفصل.

وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا نجحت في إقناع الطرفين بهدنة إنسانية بمناسبة عيد الأضحى المبارك الذي صادف يوم 11 أغسطس الماضي، لكنها شهدت خروقات نتيجة غياب وسائل الرقابة.

الخبير الليبي في الإستراتيجية العسكرية، أحمد الفيتوري، يعتبر أن "احتدام المواجهات المسلحة في الأيام الأخيرة قرب طرابلس وفي بعض المناطق التي تمثل القاعدة الخلفية لطرفي الحرب، يعكس رغبة كلا الجانبين في تحقيق أقصى المكاسب الميدانية قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار، في محاولة لتحريك خطوط الجبهات لصالحه".

ويرى الفيتوري أنه في الظروف الراهنة، "يستطيع مجلس الأمن وحده أن يتخذ قرارا بفرض وقف إطلاق النار ويجبر الطرفين على وقف القتال، تحت طائلة العقوبات أو حتى التهديد بعمليات عسكرية محدودة كالقصف الجوي للطرف المتعنت".

وأشار أيضا إلى أن "مجلس الأمن عليه أن يتدخل في الخطة السياسية باعتبار أن المؤتمر الدولي حول ليبيا يهدف إلى وقف تدفق الأسلحة من خلال تعزيز الحظر. وسوف تكون الدول المعنية بهذه الانتهاكات حاضرة في المؤتمر".

وبيّن أن "المؤتمر يجب أن يقنع المجتمع الدولي بمتابعة الإجراءات التي سوف تُعتمد، خاصة الاتفاق المحتمل بين الليبيين عبر السهر على تطبيقه بهدف تحقيق سلام واستقرار دائمين في ليبيا"، مضيفا أن "مجلس الأمن سوف يكون إطارا لحث الدول الأعضاء على تنفيذ القرارات المتخذة لتسوية الأزمة الليبية".

-0- بانا/ي ب/س ج/20 سبتمبر 2019