الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

خطة انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، فرصة لتنظيم انتخابات هادئة في ليبيا

طرابلس-ليبيا(بانا)- بعث توقيع اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 على خطة عمل حول الانسحاب "التدريجي والمتزامن" للمرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا، أملا جديدا في المشهد السياسي بينما تلقي انسدادات العملية الناجمة عن الخلافات بشأن اعتماد القاعدة الدستورية للإنتخابات العامة بظلال من الشك حول تنظيم هذا الاستحقاق الحاسم لإخراج البلاد من أزمتها.

ولقيت هذه الخطة ترحيبا كبيرا باعتبارها تقدما مهما إذ ظلت اللجنة العسكرية دائما تمثل قاطرة تحريك العملية السياسية في ليبيا، ولأنها تتيح، بوجه خاص، فرصة تنظيم الانتخابات في 24 ديسمبر القادم في أجواء هادئة من دون وجود قوات أجنبية من شأنها أن تؤجج التوتر أو تمس من سيادة البلاد.

لكن، في مقابل هذه التداعيات الإيجابية على هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا، يطرح انسحاب نحو 30.000 مقاتل أجنبي مدججين بالسلاح، حسب إحصائيات دول مجموعة الساحل الخمس، مشاكل أمنية للإقليم لا سيما بلدان الجوار، تشاد والنيجر والسودان.

وقد أثار مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي إتنو في أبريل الماضي، متأثرا بجروح أصيب بها خلال مواجهات مع متمردين تشاديين قادمين من جنوب ليبيا، مخاوف شديدة لدى هذه البلدان إزاء المرتزقة والجماعات المسلحة المتواجدين في هذه الدولة الجارة الشمالية.

ورغم أن خطة الانسحاب تتضمن احتياطات من خلال اعتماد نظاما متدرجا، إلا أن هناك بواعث قلق جدية إزاء هذا الخروج الذي قد يؤدي إلى عدم الاستقرار في بلدان الساحل ويزيد من زعزعة الأوضاع في منطقة تنتشر فيها الحركات الجهادية والهجمات الإرهابية.

وأعلنت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، في ختام اجتماعها بجنيف الجمعة الماضي، عن "إعداد وإقرار" خطة عمل لإخراج جميع "المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية بشكل تدريجي ومتوازن ومتزامن".

وفي عرض لتفاصيل خطة عمل الانسحاب، قال عضو اللجنة العسكرية 5+5 الممثل عن المنطقة الشرقية، فرج الصوصاع، إنهم اتفقوا في تفاصيل خطة إخراج المرتزقة، على إحضار مراقبين دوليين ثم إحصاء عدد القوات الأجنبية وانسحابهم وفق نسب محددة بين طرفي الصراع في ليبيا.

وأوضح الصوصاع، في تصريحات لقناة "ليبيا الأحرار" الخاصة، أن المرتزقة والقوات الأجنبية سيجري إرجاعهم في البداية إلى بنغازي شرقا وإلى طرابلس غربا قبل البدء في ترحيلهم، مؤكدا أن هناك تنسيقا بين لجنة 5+5 والأمم المتحدة لتحديد مواعيد للخطة في وقت قريب.

وذكر العضو بلجنة 5+5 أنهم اشترطوا أن يكون المراقبون الدوليون من دول ليست مشاركة في الصراع الليبي، وأيضا أن يكونوا بلباس مدني وغير مسلحين.

وبشأن توحيد المؤسسة العسكرية، ذكر الصوصاع أنه لن يجري قبل انتخاب رئيس مباشر من الشعب، وأكد أن هدف اللجنة العسكرية هو إخراج جميع القوات الأجنبية وترحيل المرتزقة قبل الانتخابات.

ولقي توقيع خطة العمل ترحيبا واسعا سواء داخل البلاد أو خارجها، حيث توالت الإشادات بهذا التقدم نحو تسوية الأزمة من خلال التهيئة لتنظيم الانتخابات في ليبيا.

وفي هذا السياق، أعلن المجلس الرئاسي الليبي ترحيبه بتوقيع خطة عمل انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، مؤكدا أن هذا الحدث المهم، جاء في وقت حساس جدا، وهو انعكاس حقيقي لرغبة الشعب الليبي في إعادة السلام والسيادة الوطنية، وصولًا لتوحيد المؤسسة العسكرية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة تحظى بإجماع وقبول كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية.

ودعا المجلس كل الشركاء الدوليين المعنيين بالأزمة الليبية، بما في ذلك دول جوار ليبيا، إلى التعامل بإيجابية ومسؤولية من خلال دعمهم، ومساندتهم، وتعاونهم في تنفيذ الآلية التي اعتمدتها اللجنة العسكرية المشتركة برعاية بعثة الأمم المتحدة.

وكذلك، رحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بخطة العمل التي وضعتها اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 لانسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا.

وقال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان، إن غوتيريش عبر عن الثقة في أن "نشر فريق أولي من مراقبي وقف إطلاق النار التابعين للأمم المتحدة سيسهم في تهيئة الظروف اللازمة للتنفيذ الناجح لخطة العمل.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف الليبية والدولية إلى العمل من أجل تنفيذ خطة العمل، منوها بوحدة الهدف التي يتبناها أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة 5+5.

ووصف المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يان كوبيش، خطة العمل بأنها "إنجاز" في هذه اللحظة التاريخية في هذا المنعطف الدقيق من مسيرة ليبيا نحو السلام والديمقراطية، مؤكدا أن هذا الاتفاق الذي أبرم اليوم يستجيب لمطلب الأغلبية الساحقة من الشعب الليبي ويخلق زخماً إيجابيا ينبغي البناء عليه للمضي قدما نحو مرحلة يسودها الاستقرار والديمقراطية، بما في ذلك من خلال إجراء انتخابات وطنية حرة وشفافة وتتمتع بالمصداقية في 24 ديسمبر، ويقبل بنتائجها الجميع.

وتدعو الأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى دعم اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والسلطات الليبية في تنفيذ خطة العمل هذه، وتقف على أهبة الاستعداد لدعم الجهود الليبية في تنفيذها وكذلك في توحيد المؤسسة العسكرية وبدء عمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني في ليبيا.

من جانبها، دعت جامعة الدول العربية جميع الشركاء الدوليين والإقليميين إلى التعاون ودعم تنفيذ هذه الخطة وبقية الأجندة المرتبطة باتفاق وقف إطلاق النار، خاصة توحيد المؤسسة العسكرية والبدء في نزع السلاح والتسريح وإعادة دمج الجماعات المسلحة.

ودعت سفارات فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في ليبيا، أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة، إلى انتهاز هذه الفرصة لتعزيز التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، معتبرة أن "خطة العمل التي اعتمدوها في جنيف أساسية لاستعادة سيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية".

وأكدت الدول الخمس أن "الأفراد أو الكيانات التي تشارك في الأعمال التي تهدد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا أو التي تعرقل أو تقوض نجاح عملية انتقالها السياسي، أو التي تقدم الدعم لهذه الأعمال، قد تحددها اللجنة المنشأة بموجب الفقرة (24) بالقرار 1970 (2011) بشأن تدابير حظر السفر وتجميد الأصول".

من جانبهم، كان قادة دول مجموعة الساحل الخمس (بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد) حذروا في دورتهم الخامسة الاستثنائية في يوليو الماضي، من مخاطر تسلل المرتزقة المتواجدين في ليبيا إلى دول المنطقة.

وأعربوا عن مخاوفهم من مخاطر المرتزقة القادمين من ليبيا على الاستقرار في بلدانهم. ودعوا إلى عمل دولي منسق بهدف حل عاجل لهذه المسألة بما في ذلك نزع سلاح مجموعات المرتزقة.

كما طالب قادة دول مجموعة الساحل علانية الأمم المتحدة وليبيا بالتواصل حول خطة العمل المنظمة لخروج المرتزقة والمليشيات الأجنبية بطريقة تسمح بالمساهمة في تأمين حدود مجموعة دول الساحل خلال مرحلة الانسحاب.

وتحسبا لمواجهة هؤلاء المرتزقة، يعتزم الاتحاد الأوروبي إقامة شراكة بين البعثة الأوروبية لحماية الحدود الليبية (يوبام) وبعثة الاتحاد الأوروبي في الساحل-النيجر والوكالة الأوروبية لحرس الحدود.

وهكذا، فبحسب وسائل إعلام فرنسية، تعمل الوكالة الأوروبية لحرس الحدود لتوسيع منطقة عملياتها في الجنوب على الحدود الليبية-النيجرية، من خلال التعاون بين البعثة الأوروبية لحماية الحدود الليبية وبعثة الاتحاد الأوروبي في الساحل-النيجر. كما أنها منخرطة بقوة في المراقبة الجوية والبحرية للسواحل الليبية.

ولا يخفي المحلل السياسي الليبي، عصام مفتاح قويدر شكوكه بشأن إمكانية انسحاب القوات الأجنبية المتواجدة في ليبيا بالنظر إلى الحسابات الإستراتيجية والكلفة السياسية التي قد تنجم عن هذا الانسحاب.

واعتبر أن "توقيع خطة عمل انسحاب المرتزقة والمقاتلين والقوات الأجنبية جاء نتيجة لضغوط المجتمع الدولي خاصة الولايات المتحدة".

وذكّر المحلل السياسي الليبي بأن "الأمر يتعلق برؤية الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون خلال اجتماع مجموعة السبع الذي اقترح فيه خطة انسحاب تدريجي ومتزامن"، مؤكدا أنه "عمل لإقناع الرئيس الأمريكي جو بايدن بها حيث يدفع الأخير من خلال المبعوث الخاص الأمريكي والسفير لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، من أجل هذا الانسحاب لتسهيل تنظيم الانتخابات العامة في ليبيا خلال ديسمبر المقبل".

بيد أنه يؤكد أن "روسيا التي وجدت فرصة للتواجد في البحر المتوسط عبر ليبيا لن تتخلى عن هذا المكسب الذي يفتح لها الوصول إلى ثروات هائلة من الغاز في شرق البحر المتوسط"، مضيفا أن "نفس الاعتبارات تنطبق على تركيا الحاضرة في ليبيا بموجب اتفاق مع حكومة شرعية تم تسجيله لدى الأمم المتحدة، خاصة اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي يفتح لها آفاق كبيرة للثروات في هذه المنطقة".

واعتبر قويدر أن "الدول الأخرى مثل تشاد والسودان لا يعترفان بالمرتزقة القادمين منهما إلى ليبيا"، مشيرا إلى أن "روسيا التي أصبحت أحد الفاعلين الرئيسيين إلى جانب تركيا، في الملف الليبي بفعل العداء التقليدي مع الولايات المتحدة، ستفعل كل ما في وسعها للبقاء في ليبيا لأنها تفتح لها الطريق إلى إفريقيا جنوب الصحراء التي تمثل حاليا محورا مهما في سياستها، خاصة إفريقيا الوسطى ومالي حيث بدأت ترسخ قدمها هناك.

كما أن تركيا التي تراجع نفوذها في تونس منذ 25 يوليو الماضي بعد إضعاف حليفها حركة النهضة، لن تتخلى بسهولة عن تواجدها العسكري في ليبيا التي تضمن لها وجودا في شمال إفريقيا في ظل عداوة مع مصر، وعلاقات جيدة مع الجزائر والمغرب".

لكن إعلان الفريق امراجع العمامي، عضو اللجنة العسكرية 5+5 عن المنطقة الشرقية، عن مبادرة تشكيل بعثة مع فريق بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لزيارة الدول التي لها وجود عسكري في ليبيا لحثها على سحب قواتها قبل موعد الانتخابات، يعكس رغبة في تخليص البلاد من كل وجود عسكري أجنبي من أجل تشجيع انتخابات شفافة وعادلة.

-0- بانا/ي ب/س ج/ 15 أكتوبر 2021