الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

كأس العالم .. متعة الفقراء يصادرها الأغنياء

تونس العاصمة - تونس (بانا) - تسود حالة من الإستياء في الأوساط الشعبية في تونس وخاصة لدى الشباب مثلما هو الحال في العديد من البلدان العربية بسبب مايعتبرونه فرضا قسريا من قبل قناة "بي إن سبورت" (الإسم الجديد للجزيرة الرياضية) باحتكار نقل مبارايات كأس العالم في البرازيل، واشتراطها اقتناء جهاز استقبال جديد خاص بها لفتح قنواتها المشفرة يفوق ثمنه 350 دولارا وهو في الواقع شرط لا قِبل به لعشرلت الملايين من الفقراء والشباب والعاطلين عن العمل .

لذلك اكتظت المقاهي والنوادي والفضاءات العامة منذ مساء الخميس بعشاق كرة القدم من مختلف الفئات العمرية لمتابعة مناشط هذه المناسبة العالمية التي لاتتكرر إلا مرةً كل أربع سنوات، مع ما تحمله كل دورة من مميزات ونكهة خاصة.

لقد تأسست "الفيفا" بهدف جمع شباب العالم في بطولة رياضية دولية من أجل تعميق قيم التعارف والحوار بين الشعوب والثقافات، لكنّ بريق المال سرعان ما أزاح القيم واحتل المكان .

وجاء منزلق "الفيفا" في مونديال عام 1982 عندما انبهرت بكمية المبالغ المعروضة عليها من قبل الشركات الكبرى من أجل الدعاية في البطولة، ومن هنا نبتت الفكرة بكيفية استغلال هذا الحدث العالمي لجلب أكبر قدر من الأموال، والدخول في عالم الإحتكار والتسويق بحيث تداخلت مصالحها المادية مع الشركات العابرة للقارات، ومن هنا فقدت البعد الأخلاقي من حيث العدالة الإنسانية وتنمية الروح الرياضية.

وتأتي مهزلة تشفير القنوات الناقلة لمعظم المباريات الرياضية لتؤكد مرة أخرى أن الرأسمال مجرد من الأخلاق والإنسانية، وأن" الفيفا" لاتخرج عن كونها حلقة في المنظومة الرأسمالية الإستغلالية المهيمنة هذه" الفيفا" برغم ملياررات الدولارات التي تجنيها وتدور في خزائن المصارف العالمية لم تبادر يوما إلى بناء مستشفى أو فتح مدرسة للفقراء في إفريقيا أو أمريكا الجنوبية، ولم توظف جزءً ولو كان بسيطا من عائدات الإحتكار في مشروع تنموي هنا أو هناك في المناطق المحرومة في العالم، ويبدو أن الجماهير البرازيلية الغاضبة قد أدركت هذه الحقيقة وخرجت معبرة عن قناعاتها، وهنا تشير صحيفة "التونسية" إلى أن التاريخ سيسجل أن دورة نهائيات كأس العالم لسنة 2014 هي دورة ملطخة بدم الفقراء من شعب البرازيل ورغم ذلك لا يجد العالم (الغني) حرجا في التمتع وفي الإستمتاع بلا حدود!

نفس الإتهام يوجه إلى القناة القطرية التي يصرف المشرفون عليها مليارات الدولارات لبث الفوضى تحت زعم " الربيع العربي" وتدمير سوريا وليبيا والعراق، في حين يبخلون على فقراء العرب والأفارقة بتمكينهم من لحظات متعة - لو أحصينا لوجدناها قليلة أصلا في حياتهم .

وفق هذه العقلية الإحتكارية، كل شيء قابل للتلاعب والإستغلال حتى ترفيه الفقراء ومتعة الوحيدة، وما يهم هنا عند حاملي هذا الفكر هو المال، حتى وإن سقطت كل المثل وسُحقت معاني الإنسانية.

إن توجّهًا من هذا النوع، حتماً سيكون مجافيا لكل ما يتعلق بالروح الرياضية حتى على مستوى الشعار الذي ترفعه المؤسسات الرياضية في العالم، وهنا ينكشف زيف الإدعاءات التي طالما روجت لها الدوائر الغربية الرأسمالية ووكلاؤها المحليون من ضرورة استفادة الشعوب الفقيرة من ثورة الإتصالات الحديثة في العلم والمعرفة والتعليم والرياضة .. إنها ادعاءات يكشفها الإصرار الرأسمالي على" تسليع" المنتجات المرئية ثم احتكارها وبيعها بالثمن الذي تريد.

لذلك يلخص أستاذ التاريخ " الأمين بوزيّان " في حديثه مع" بانا" بأن حرمان الملايين من البشر من متعة لعبة شعبية تخص كل الأسرة البشرية، هو في الواقع سطو واعتداء صارخ على حق من حقوق الإنسان الأساسية في المعرفة والمعتة.

وحين تمنح " الفيفا" حق البث الحصري لشبكة واحدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن ذلك مسألة مثيرة حقا للاستغراب، خاصة إذا علمنا في المقابل أن" الفيفا " نفسها منحت جميع الدول الأوروبية فرصة اقتناء حقوق بث كأس العالم، ويكون احتكار الشبكة للمباريات داخل الدولة، وليس داخل القارة أو داخل المنطقة الجغرافية.

وهنا يبدو رئيس قناة "زي - دي - أف" (ZDF )الألمانية على صواب كبير برؤيته الإنسانية حين أعلن أن "كرة القدم لعبة الفقراء، ونحن مع الفقراء والأغنياء، وسنقدم المونديال للجميع حول العالم مجاناً" متسائلا في استغراب: كيف لبلد لم يتأهل مرة واحدة لكأس العالم أن يحتكر مباريات المونديال وحده، وعدد سكانه لا يصل إلى مليون نسمة ؟

أليس غريبا بالفعل أن يكون رئيس القناة الألمانية "زي. دي. أف" أكثر رحمة وإنسانية بالفقراء من القائمين على الفيفا وشركائها الذين لايتوقفون عن الحديث عن المبادئ والقيم ؟ أم أنه الجشع والإستغلال العابر للقارات الذي لايقيم للأخلاق اعتبارا ؟!

-0- بانا/ي ي/ع د/ 14 يونيو 2014