الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

التقدم الملحوظ في العملية السياسية الليبية يتزامن واستمرار تحديات كبرى

طرابلس-ليبيا (بانا) - على الرغم من العقبات التي ظهرت بين الفينة والأخرى، إلا أن الحوار السياسي الليبي الذي انطلق في نوفمبر الماضي حقق بعض التقدم، الذي ما فتأ يتعزز يوما بعد يوم، ويتعزز معه صرح السلام والاستقرار قيد البناء، مع الاعلان يوم الثلاثاء عن حدوث تقدم على مستوى اللجنة الدستورية، ما يرسخ الزخم نحو حل نهائي للأزمة السياسية والأمنية في هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا.

ويواجه هذا الوضع تحديات هائلة تنطوي على معارك صعبة في الأفق يتعين على الليبيين التغلب عليها.

وبالفعل، يأتي هذا التقدم في مسار منتدى الحوار السياسي الليبي الذي جاء على أساس عملية مؤتمر برلين، وآخرها التوافق الذي تم التوصل إليه داخل اللجنة الدستورية المكونة من أعضاء من مجلس النواب (البرلمان) ومن المجلس الأعلى للدولة (أعلى هيئة استشارية في البلاد) في الغردقة بمصر، من خلال الموافقة على تنظيم استفتاء على مشروع الدستور مع عتبة اعتماد من 50  في المائة زائد 1 من مجموع الأصوات في أقاليم ليبيا التاريخية وهي طرابلس وبرقة وفزان.

ويمثل هذا الاتفاق من حيث المبدأ، والذي سيتم صقله خلال المناقشات القادمة المقرر إجراؤها في الفترة من 9 إلى 11 فبراير المقبل في مصر بين أعضاء اللجنة الدستورية، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أهمية كبرى وخطوة إلى الأمام، بالنظر إلى العوائق التي سادت حتى الآن منذ اعتماد مسودة الدستور في العام 2017 من قبل الهيئة التأسيسية المسؤولة عن صياغة النص الأساسي المستقبلي للبلد.

كما اتفق أعضاء المجلس الدستوري على الاستفتاء على مشروع الدستور قبل انتخابات 24 ديسمبر ، وإشراك المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من أجل دراسة وتحديد موعد لتنظيم الاستفتاء لإقرار مشروع الدستور.

يذكر أنه تم التصويت على مشروع الدستور في ظروف مشوشة بسبب الانقسامات بين أعضاء الهيئة التأسيسية، وتعرضت مسودة الدستور للطعن أمام المحاكم الليبية وعرض الأمر أمام المحكمة الليبية العليا التي أعلنت عدم الاختصاص، مقدمة بذلك تزكية لظروف التصويت على النص الدستوري.

وفي عام 2019 ، اعتمد البرلمان الليبي الذي يتخذ من طبرق (شرق البلاد) مقرا له، والذي عانى أيضا من الانقسامات ومقاطعة العديد من النواب، النص من خلال وضع أحكام معقدة بشأن التصويت في الاستفتاء، والتي اعتبرها البعض محاولة لعرقلة اعتماد الدستور المستقبلي لليبيا وتحديد اختصاصات المؤسسات ومجالات تدخلها.

ونصت آلية التصويت المعتمدة كشرط أن يحصل مشروع الدستور على نسبة لا تقل عن ثلثي الأصوات المدلى  بها في كل ليبيا، وأن يكون مجموعها 50 في المائة زائد صوت واحد في كل إقليم بشكل منفصل.

إضافة إلى ذلك ، نصت المادة 7 من قانون مجلس النواب على أن عملية الاستفتاء ستكون باطلة وملغاة وغير ذات قيمة إذا لم تستوف الشروط المطلوبة.

ولم يحظ موضوع الدستور بنقاشات كبيرة ضمن القضايا المطروحة في عملية الحوار السياسي، بالنظر لكونه يثير جدلا كبيرا، ولهذا السبب تم إهمال الموضوع إلى حد ما.

وأثار هذا الوضع غضب أعضاء هيئة صياغة الدستور، الذين اتهموا بعثة الأمم المتحدة للدعم برغبتها في تجاوز إرادة الشعب الليبي وأحكام الإعلان الدستوري، من خلال التعتيم على الدستور ومسار اعتماده.

وبناء عليه، رحب أعضاء الهيئة التأسيسية بالإعلان عن الاتفاق بشأن تنظيم استفتاء على الدستور، ورحب 29 منهم بالاتفاق بين أعضاء اللجنة الدستورية ، والتي تضم أعضاء من مجلس النواب ومن المجلس الأعلى للدولة، على الاستفتاء على مشروع الدستور الذي تم إعداده.

وفي بيان نشر أمس الخميس، رحب أعضاء الهيئة التأسيسية المكلفة بصياغة الدستور، بـ "التوافق الذي تم التوصل إليه بين أعضاء اللجنة الدستورية المشتركة على ضرورة استكمال العملية الدستورية والذهاب إلى الاستفتاء على مشروع الدستور الذي أقرته الهيئة التأسيسية في 29 يوليو 2017 في مدينة البيضاء (شرق)".

واعتبر الموقعون الـ 29 على البيان أن هذا الإجراء سيضمن "نهاية المراحل الانتقالية والمرور إلى المرحلة الدائمة التي ستجرى خلالها الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وفق أحكام الدستور الدائم للبلاد، بعد اعتماده والمصادقة عليه من قبل الأمة في استفتاء شعبي".

وبالتالي، يضاف مشروع الاستفتاء على الدستور للتقدم الذي أحرزه منتدى الحوار السياسي الليبي، والذي تمكن من تجاوز خلافاته الداخلية بالتصويت لصالح مقترحات آلية اختيار المرشحين لمناصب السلطة التنفيذية الموحدة المؤقتة بنسبة 73 في المائة من الأصوات.

وكان اختيار هذه الآلية هو العقبة الرئيسية الوحيدة التي أدخلت المحادثات السياسية في طريق مسدود منذ اعتماد خارطة طريق، في نوفمبر الماضي، أسست لمرحلة انتقالية، وحددت سلطات المؤسسات، وموعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر.

ويرى المحلل السياسي الليبي الطاهر أبو خشيم أن "الموعد النهائي للانتخابات التشريعية والرئاسية يعتبر هدفا نهائيا لا رجوع عنه"، مضيفا أن "هذه الفكرة تتشاركها المؤسسات الليبية القائمة، مثل المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة".

وبحسبه، فإن "هذا الإجماع بين الليبيين حول الانتخابات نابع من الإصرار على إضفاء شرعية جديدة على المؤسسات القائمة واختيار قيادات جديدة لإدارة شؤون البلاد، على أمل ظهور شخصيات كفأة تنجح في تحقيق إنجازات حقيقية لصالح الشعب الليبي وشبابه بعد عشرية صعبة عرفتها البلاد ".

وقال إن "هذا تحدي كبير يواجه منتدى الحوار السياسي الليبي الذي أبدى اهتماما بتجاوز الخلافات للتوجه إلى الجوهر مع مراعاة مصالح الشعب الليبي“.

وحذرت القائمة بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز، التي ستظل في منصبها حتى نهاية فبراير المقبل، قبل تسليم مهامها للسلوفاكي يان كوبيش، من احتمال قيام الطبقة السياسية التي تستغل الوضع الحالي لصالحها بعرقلة تنظيم انتخابات عامة في البلاد.

وقالت ويليامز، في مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت يوم الأربعاء، إن الطبقة السياسية التي تتجاوز خطوط الصراع بين شرق وغرب ليبيا "مصممة على الإبقاء على الوضع الراهن وعدم التخلي عن امتيازات الوصول إلى خزائن الدولة".

ووصفت ويليامز هؤلاء بـ ”الديناصورات" ، وقالت  ”إنهم مرتبطون بقوى قبل ثورة 17 فبراير 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي“.

كما حذرت من محاولة السياسيين عرقلة الانتخابات، مؤكدة أن "عددهم ليس كبيرا لكن هناك جمهور يدعم الوضع الراهن. ويرون في التغيير من خلال سلطة تنفيذية مؤقتة وانتخابات عامة، نهاية لوصولهم إلى أموال الدولة ومواردها، وبالتالي وضع حد لنظام المحسوبية الذي طوروه بمهارة في السنوات الأخيرة".

وبالعودة إلى الانتخابات التي تعتبرها حتمية، قالت السيدة ويليامز إن "الانتخابات تشكل تهديدا مباشرا لأوضاعهم الحالية، وسوف يعملون جاهدين من أجل الدفاع عنها. وأولئك الذين يحاولون منع تشكيل هيئة تنفيذية متوافق بشأنها وموحدة هم نفس القوى السياسية التي ستحاول عرقلة الانتخابات".

وأضافت ويليانز حول هذا الموضوع إن ”المدافعين عن وضع الجمود الراهن في ليبيا هم الأشخاص الذين استفادوا من هذه البنية الاستثنائية الحالية ولا يريدون تركها".

وإلى جانب الملف السياسي، يرى علاء صلاح الورفللي، الناشط في المجتمع المدني الليبي فيما يتعلق بالملف العسكري أن "استمرار التدخل الأجنبي وتواصل شحن الأسلحة والمرتزقة يشكلان وضعا يهدد اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 والذي لم يتم تنفيذه بالكامل بعد".

وقال الورفللي إن "هذا الوجود العسكري الأجنبي يمكن أن تستخدمه أطراف معينة لتأكيد وجهة نظرها بالقوة عندما تكون مصالحها الضيقة مهددة أو عندما تدرك أن الظروف أصبحت في غير صالحها".

وطالب "بمعالجة الوجود العسكري الأجنبي في أسرع وقت ممكن لضمان عدم تحول الخلافات السياسية إلى نزاع مسلح وإعادة البلاد إلى المربع الأول"، وحث "الأمم المتحدة ولا سيما المبعوث الأممي الجديد لمعالجة هذه المشكلة كأولوية قصوى من أجل تمهيد الطريق لانتخابات آمنة".

وشدد الناشط في المجتمع المدني على أن "هذا الوجود العسكري الأجنبي يؤجج التوتر ويدفع الأطراف الواقفة وراء كل معسكر إلى التحرك وراء الكواليس للضغط على المتحاربين ، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى اشتباكات لا تخدم مصالح الليبيين".

للإشارة فإن هذه التحديات السياسية والأمنية التي أثيرت متأصلة في القضية الليبية وكانت موجودة دائما، مما ساهم في إطالة أمد الصراع.

ولكن هذه المرة، يبدو أن الليبيين مصممون على تولي ملكية بلادهم والحفاظ على سيادتها ووحدتها وهذا يتطلب تضحيات هم على استعداد للقيام بها كما أظهروا ذلك في الإجماع الذي تم التوصل إليه خلال هذه الأشهر الأخيرة حول قضايا مثيرة للجدل والخلافات.

-0- بانا/ي ب/ع ط/ 22 يناير 2021