الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

مؤتمر برلين، الرهانات الحاسمة لتحقيق السلام في ليبيا

طرابلس-ليبيا(بانا)- تتجه أنظار الليبيين، اليوم الأحد، إلى العاصمة الألمانية برلين التي تستضيف مؤتمرا دوليا حول ليبيا، في ختام عملية استمرت بضعة أشهر، وسعت خلالها ألمانيا إلى توحيد المجتمع الدولي حول الملف الليبي بغية إيجاد حل سياسي للأزمة السياسية والأمنية التي تعصف بهذه البلاد منذ قرابة تسع سنوات.

وساء الوضع في ليبيا كثيرا منذ الهجوم الذي أطلقه في الرابع أبريل الماضي، المشير خليفه حفتر للسيطرة على العاصمة والمنطقة الغربية عموما وبالتالي الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فائز السراج والني تحظى باعتراف المجتمع الدولي.

وقد زاد تصعيد العنف من تردي الظروف المعيشية لليبيين حيث استمر الانكماش الاقتصادي مع ارتفاع التضخم وانهيار سعر صرف الدينار الليبي وتكرار نقص المواد والخدمات الأساسية، خاصة صعوبة حصول المواطنين على المياه والكهرباء والأدوية والسكن والتعليم والمواد الغذائية.

وبحسب وكالات أممية، أجبر الصراع أكثر من 142 ألف شخص على النزوح من مناطق القتال بينما يوجد 100.000 آخرون قريبين من خطر المواجهات المسلحة. وقُتل أكثر من 300 مدني وأصيب مثلهم بجروح، فيما قُتل 2.000 مقاتل من الجانبين المتصارعين.

وفضلا عن ذلك، أججت حرب طرابلس التدخلات الأجنبية إذ تنخرط في الصراع الدائر حاليا عشرة بلدان على الأقل، من خلال دعم أحد الفرقاء المحليين وتنتهك علنا حظر توريد السلاح الذي فرضه مجلس الأمن الدولي على ليبيا منذ سنة 2011.

وبلغت هذه التدخلات من الأهمية بحيث عطلت تحركات مجلس الأمن طوال عشرة شهور من المعارك المحتدمة في العاصمة الليبية. ورغم استهداف المدنيين، فقد حال انقسام أعضائه ومنهم المتورط في الصراع المسلح، دون تبني أي قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في اجتماعاته العديدة حول ليبيا.

 وفي بيان صادر يوم الجمعة، طالبت منظمة العفو الدولية "بأن تكون حماية المدنيين، وإنصاف ضحايا الانتهاكات، حجر الزاوية في أي اتفاق للسلام ينبثق عن القمة التيستُعقد في برلين اليوم الأحد 19 يناير حول النزاع المسلح في ليبيا برعاية الأمم المتحدة".

وعلى ضوء هذه المعطيات، تكتسي رهانات مؤتمر برلين أهمية قصوى لليبيين الذين يأملون أن تتوقف معاناتهم بالحصول على تسوية نهائية للصراع في بلادهم.

رمضان أحمد الضاوي، الإطار في إحدى الإدارات العمومية بطرابلس، يرى أن "الآمال معقودة على مؤتمر برلين لإيجاد حل في ليبيا"، مشيرا إلى أن "الليبيين ضاقوا ذرعا بهذا الوضع الذي تستمر فيه صعوبة العيش والانفلات الأمني، مع تفاقم المعاناة بينما تزخر بلادهم بثروات من النفط والغاز تسمح لهم بعيش كريم".

وشدد على أن "كل المسؤولية تقع على عاتق الساسة الليبيين الذين سيحضرون مؤتمر برلين والذين يجب عليهم أن يدركوا حجم تطلعات الليبيين إلى الخروج من هذه الفوضى الأمنية نهائيا".

وناشد الضاوي هؤلاء الساسة "أن يغلبوا مصالح ليبيا والليبيين على كل اعتبار"، مضيفا أن "الدول الأجنبية التي تخوض حربا بالوكالة إنما تدافع عن مصالحها الذاتية لا مصالح الليبيين".

أما الناشط في المجتمع المدني الليبي طارق وليد عمران، فيؤكد أن "الدعم الذي تقدمه الدول الأجنبية للفرقاء المتحاربين في ليبيا ليس مجرد مساعدة. فهذه الدول لا تريد الخير لليبيين، بل على العكس، تتدخل لتأجيج التوتر في البلاد وضرب بعض الليبيين ببعض".

وجرى التحضير لمؤتمر برلين من خلال تنظيم خمسة لقاءات جمعت في ألمانيا ممثلي أكثر من 10 بلدان ومنظمات من بينها الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيطاليا وفرنسا ومصر والإمارات العربية المتحدة.

وناقشت هذه الاجتماعات الجوانب الرئيسية للأزمة الليبية والتي تمحورت حول ستة بنود مقترحة هي: وقف إطلاق النار وتطبيق الحظر على الاسلحة والعودة إلى العملية السياسية وتقييد انتشار الأسلحة عبر جعلها تحت سلطة الدولة وتنفيذ إصلاحات اقتصادية، واحترام حقوق الإنسان، حسب الأمم المتحدة.

وعلى مستوى وقف إطلاق النار، يتوجب على الأطراف المتحاربة في ليبيا أن تثبّت وقف إطلاق النار، بعد تراجع حدة القتال في البلاد إثر الهدنة المعلنة في 12 يناير والمشاورات التي جرت في موسكو يوم 14 يناير بهدف تهيئة الظروف لاتفاق وقف إطلاق النار.

ويجب أن يفضي وقف إطلاق النار، على المدى الطويل، إلى وقف شامل لجميع الأعمال العدائية بما فيها عمليات استخدام الطيران فوق التراب الليبي، وستتولى الأمم المتحدة مراقبة تنفيذ الهدنة.

وبشأن حظر توريد الأسلحة، يتوقع أن يدفع مؤتمر برلين المشاركين إلى التعهد بالاحترام الكامل وغير المشروط بقرارات مجلس الأمن المتعلقة بحظر توريد الأسلحة مع مطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات على الدول التي تنتهك حظر توريد الأسلحة واتفاق وقف إطلاق النار.

وفي محور العملية السياسية، سيدعو المؤتمر إلى تشكيل حكومة وحدة وطتية ومجلس رئاسي في ليبيا على أساس الاتفاق السياسي الليبي من أجل حل سياسي في ليبيا، على أن تنال هذه الحكومة موافقة مجلس النواب.

ويجب أن تشارك كافة أطراف النزاع في العودة إلى العملية السياسية تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والمساهمة فيها بطريقة بناءة لتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ومستقلة.

ويركز محور الإصلاحات الأمنية على استعادة الدولة لاحتكار اللجوء الشرعي إلى القوة، وبناء قوات مسلحة ليبية موحدة وقوات أمن وطنية وشرطة، تحت إمرة السلطات المدنية المركزية، وعلى أساس المفاوضات التي جرت في القاهرة والوثائق والنتائج الصادرة عنها.

وعلى المستوى الاقتصادي، سيتعين إجراء إصلاحات هيكلية للاقتصاد تحت رعاية لجنة من الخبراء الاقتصاديين حول ليبيا لتسهيل إكمال هذه العملية تحت رقابة حكومة الوحدة الوطنية الجديدة.

وبخصوص النقطة الأخيرة المتعلقة بحقوق الإنسان والعمل الإنساني، ستكون الأولوية لاحترام المعايير الإنسانية وحقوق الإنسان في ليبيا، وتحسين أداءات المؤسسات القضائية بغرض وقف الاعتقالات التعسفية والإفراج عن كافة المعتقلين بطريقة غير قانونية.

كما أن السلطات الليبية مدعوة إلى إغلاق تدريجي لمراكز احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء، مع وجوب محاسبة جميع الذين تورطوا في انتهاك القانون الإنساني الدولي.

وقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن كل هذه القضايا نالت موافقة جميع المشاركين في مؤتمر برلين.

لكن قضية جديدة حدثت في اللحظة الأخيرة ربما تفرض نفسها على أجندة برلين وهي مشكلة إغلاق المرافئ والحقول النفطية في مناطق وسط وشرق البلاد، ويبدو أن هذا الإغلاق بإيعاز من المشير خليفه حفتر، وفقا لمدير المؤسسة الوطنية الليبية للنفط مصطفى صنع الله.

وقد قام متظاهرون يدعون أنهم يمثلون القبائل المجاورة للمنشآت النفطية، يوم الجمعة، بإغلاق المواقع النفطية، مطالبين، في بيان موقع باسم ملتقى القبائل والمدن الليبية، السلطات المختصة والمجتمع الدولي بفتح حساب تودع فيه العوائد النفطية، لضمان توزيع عادل لهذه الموارد في انتظار تشكيل حكومة وحدة وطنية.

وأعلنت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط، أمس السبت، عن حالة القوة القاهرة في إجراء لإخلاء المسؤولية من المتابعات القانونية المتعلقة بتأخير تسليم شحنات النفط المتعاقد عليها. وتقدر الخسائر اليومية لإغلاق حقول النفط بحوالي 55 مليون دولار أمريكي.

ويرى محللون، أن المجتمع الدولي لن يسمح باستمرار هذا الإغلاق الذي قد يؤدي إلى صعود سعر الخام في السوق الدولية بالنظر إلى تقلبات الأسعار المرتبطة بالأزمة بين الولايات المتحدة وإيران.

وبالنسبة لوزير الخارجية الألمانية، يتمثل الهدف الأساسي لمؤتمر برلين في دفع الدول الأجنبية إلى إنهاء تدخلاتها في الازمة الليبية والانسحاب لأن حضورها يؤجج التوتر. وسيسمح هذا الإجراء بتشجيع مواصلة العملية السياسية بين الليبيين تمهيدا لاتفاق نهائي يحل الأزمة.

ويُعقد مؤتمر برلين اليوم الأحد، بمشاركة رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفه حفتر وعدد من الزعماء والمسؤولين السامين الدوليين، وفي مقدمتهم الرؤساء، الروسي فلادمير بوتين والفرنسي أمانويل ماكرون والمصري عبدالفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان والوزير الأول البريطاني بوريس جونسون ووزير الخارجية الأمريكي مايك بوميو والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش.

كما يشارك في هذا اللقاء، ممثلون من الجزائر والكونغو والإمارات العربية المتحدة وإيطاليا والصين وبلدان أخرى بينما رفضت تونس الحضور بعد تلقيها دعوة متأخرة.

ومع هذا الحضور الهام، يسود أمل كبير بأن يتمخض مؤتمر برلين عن إجراءات تفضي إلى تسوية نهائية للأزمة في ليبيا.

-0- بانا/ي ب/س ج/19 يناير 2020