الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الدائم في ليبيا في مواجهة منتقديه

طرابلس-ليبيا (بانا) - تزايد زخم السلام في ليبيا بعد التوقيع في جنيف يوم الجمعة الماضية على اتفاق وقف إطلاق نار دائم، ما أحدث مفاجأة في صفوف حتى المشككين، في إمكانية تحقيق الاستقرار في هذا البلد الذي يشهد تدخلات خارجية كبيرة زادت في تعقيد الصراع بين الأشقاء واتخذ على مر السنين، بعدا دوليا.

لكن، وعلى الرغم من كل العقبات والعوائق، ستتغلب الإرادة التي أبان عنها الليبيون طوال الأشهر الماضية للمضي قدما وإخراج بلادهم من دوامة العنف ومنطق المواجهات العسكرية من خلال إيجاد حل يصون وطنهم ويضمن وحدته وسلامته وسيادته ويحفظ ثرواته وإمكانياته.

وغالبا ما كانت بعثة الأمم المتحدة للدعم، التي ترعى العملية السياسية الليبية منذ أكثر من تسع سنوات، في مواجهة دائمة للعراقيل تشد إلى الوراء كل الجهود الرامية لتحقيق السلام، علما أنه لا يوجد في الواقع أي شيء أساسي يميز أو يفرق بين الليبيين.

ومع ذلك، ففي نشوة الفرح باستقبال اتفاق وقف اطلاق النار الدائم وترقب التوصل للاتفاق السياسي في ليبيا، برزت مواقف متباينة هنا وهناك، مما أثار مخاوف من أن البعض يشكك في مدى جدية وصمود اتفاق وقف إطلاق النار، من خلال إثارة الشكوك أو تقديم مطالب جديدة أو إثارة جوانب أخرى تتعلق بعملية السلام يمكن حلها لاحقا، على اعتبار أن ما هو أساسي حاليا يتمثل في تحقيق الاستقرار في البلاد وحقن دماء الليبيين.

وتبقى أبرز التظلمات والتحفظات المثارة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار الدائم هي مسألة ضمانات وآليات تنفيذه إلى جانب ضرورة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها البعض، ولا سيما ضرورة عدم تبرئة الذين تلطخت أيديهم بالدماء.

ودعا وزير الدفاع بحكومة الوفاق الوطني صلاح النمروش بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الدائم إلى البدء الفوري "بسحب المرتزقة من كافة المنشآت النفطية والمواقع العسكرية كعربون صدق نوايا وخروجهم النهائي من البلاد والدخول في مصالحة وطنية حقيقية حتى لا تعود البلاد إلى ساحة الحروب والصراعات.

وأوضح أن "الجرائم المرتكبة في فترات النزاع سيحسمها القضاء الليبي أولا وقبل كل شيء ، وإذا تعذر ذلك فإننا سنلجأ إلى العدالة الدولية".

وأكد الوزير أنه "تم الاتفاق على مبدأ عدم التسامح مطلقا مع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب"، داعيا إلى "تفعيل المؤسسات القضائية لإنصاف الضحايا ومعاقبة الجناة، مع رفض تدخل أي قوة خارجية ، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الشؤون الداخلية لليبيا، ما لم تطلب ذلك رسميا الجهة الشرعية للمساعدة التدريبية والاستشارة الفنية“.

ودعا النمروش الأمم المتحدة إلى وضع ضمانات عملية حتى لا يتم "التلاعب" ببنود الاتفاق كما حدث أكثر من مرة، مضيفا إنه يقترح ذلك لإضفاء المصداقية وللتأكد من عدم حدوث انتكاسات مرة أخرى".

وأضاف الوزير أن "بعض شركات المرتزقة المتواجدة في المواقع النفطية وقاعدة الجفرة (وسط البلاد) يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة ويجب التعامل معها بحكمة وحزم في نفس الوقت“.

ومن جانبه أعرب الناطق باسم الجيش الليبي الموالي لحكومة الوفاق الوطني العقيد محمد قنونو عن "عدم الثقة في نجاح أي مسار للسلام يتساوى فيه الجلاد والضحية دون ضمان محاسبة المتورطين في العدوان وعلى رأسهم مجرم الحرب حفتر".

وشدد، على عدم ثقتهم في قدرة مليشيات حفتر على إخراج أو طلب خروج أكثر من خمسة آلاف مرتزق من فاغنر وسوريا والسودان وتشاد، في الوقت الذي تواصل فيه فاغنر إقامة المعسكرات والتحصينات وحفر الخنادق.

ودعا الناطق البعثة الأممية إلى إرسال مراقبين لمدن سرت والجفرة (وسط) وبراك الشاطئ (جنوب غرب البلاد)  "للكشف عن تنقل آلاف المرتزقة، العائدين إلى سرت والجفرة بؤرة تجمع المرتزقة الأجانب والعصابات المحلية"، قائلا إن المعتدين على العاصمة لم يتركوا جريمة إلا وارتكبوها وإننا لا نثق في عهودهم التي طالما خرقوها".

وأعرب عن التطلع لتحقيق أممي يكشف للعالم جرائم الإبادة الجماعية في حق أهالي ترهونة (95 كلم جنوب طرابلس)، داعيا المتضررين إلى التوجه فورا للقضاء لإنصافهم، وفق تعبيره.

أما المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة الطاهر السني فاعتبر أنه "من أجل نجاح أي حل سياسي يجب أن يشمل ذلك بناء الثقة وتحقيق العدالة الانتقالية وجبر الضرر والمصالحة الوطنية الشاملة".

ومضى السني، في تغريدة له على موقع تويتر، قائلا إن "حقن الدماء هو ما كنا ولازلنا ندعو إليه ونرحب بكل الجهود لتحقيقه، ولا تنازل عن محاسبة كل من ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فهذه مسؤولية وطنية وأخلاقية لن تسقط بالتقادم".

وفي الطرف الآخر، أكد الناطق الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، اللواء أحمد المساري، يوم السبت، "التزام القيادة العامة الكامل باتفاق وقف إطلاق النار الموقع في جنيف، متمنيا أن تحوز المسارات السياسية والاقتصادية ما حازه المسار العسكري من نجاح".

وقال المسماري، خلال مؤتمر صحفي، إن "الاتفاق يحتاج إلى ضامن نزيه وحقيقي، إضافة إلى قوى رادعة للعمل على التقيد به وتنفيذه، خاصة أن بعض بنوده تستهدف مجرمين مطلوبين في جرائم جنائية وإرهابية، علاوة على تنظيمات إرهابية".

وأعرب البعض من طرفي النزاع عن مخاوفهم من عدم تطبيق بنود الاتفاقية في إشارة إلى الجوانب المتعلقة بالعدالة الانتقالية وتعويضات الضحايا بسبب الجرائم التي ارتكبت خلال النزاع المسلح ولا سيما خلال حرب طرابلس في أعقاب الهجوم العسكري لقوات حفتر في 4 أبريل 2019، قبل أن يتراجع بعد تكبده الهزيمة في نهاية مايو 2020، مخلفا وراءه حقول ألغام ومقابر جماعية تم اكتشافها في مناطق جنوب العاصمة وفي ترهونة.

وبرأي المراقبين فإن قيام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإنشاء لجنة تحقيق دولية وتعيين أعضائها، يعكس رغبة المجتمع الدولي في تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة.

غير أن هذه المخاوف ليست مشتركة على المستوى الدولي بحيث تبقى الأولوية موجهة لإسكات البنادق وإخراج  المقاتلين الأجانب قبل الانكباب على الجوانب الأخرى للتسوية.

وهكذا، أكد الاتحاد الأوروبي، في بيان له، على دعوة الأطراف الليبية إلى "التنفيذ الكامل والفوري لاتفاق وقف إطلاق النار"، داعيا الدول الأعضاء في الاتحاد وجميع الفاعلين الدوليين والإقليميين إلى تقديم "دعم جهود الليبيين بدون مراوغة والامتناع عن التدخل الأجنبي في الصراع الليبي وإنهاء انتهاكات حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، مع الامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

وشدد الاتحاد الأوروبي، في بيانه، على ضرورة "انسحاب جميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب فورا من ليبيا"، معتبرا أن "أي تدخل أجنبي أمر غير مقبول".

وكان الممثل السابق للأمين العام للأمم  المتحدة في ليبيا، اللبناني غسان سلامة، قد دعا الدول التي شككت في اتفاق وقف إطلاق النار إلى العودة إلى رشدها، بعد أن وافق الليبيون على إنهاء الحرب. وكشف عن "طلب الموقعين من بعثة الامم المتحدة المساعدة في خروج المرتزقة من البلاد".

وتعليقا على اتفاق وقف إطلاق النار خلال محادثات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5 + 5 في جنيف بسويسرا يوم الجمعة الماضية، قال سلامة "إني أحيي شجاعة الموقعين، وآمل أن سيكون يوما تاريخيا في مسيرة عودة السلام".

وردا على المخاوف من عدم امتثال القوى الخارجية لاتفاق وقف الحرب، شدد الدبلوماسي الأممي على أن "المهم هو أن الليبيين قرروا إنهاء القتال … وهم أنفسهم سيبلغون الدول التي تدعمهم بذلك".

إلا أن المبعوث الخاص الاممي السابق الذي استقال في مارس الماضي أكد من جديد أنه "لا سبيل للخروج من الأزمة في يوم واحد"، مذكرا بمسارات الحوار الثلاث التي تم إقرارها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وهذا المسار الأخير مدعو للاجتماع عن بعد في 26 أكتوبر الحالي ومباشرة في 9 نوفمبر المقبل في تونس.

ويبدو في المحصلة أن عملية عودة الحياة غلى طبيعتها في ليبيا، على الرغم من الشكوك والعقبات التي قد تطرأ، قد انطلقت بلا رجعة، ولا شيء يمكن أن يوقفها ما دامت إرادة الليبيين قائمة لتحقيق السلام.

-0- بانا/ي ب/ع ط/ 25 أكتوبر 2020