الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

بعد خسارة نفوذها في ليبيا، فرنسا تسارع الخطى للحفاظ على موطئ قدم

طرابلس، ليبيا (بانا) - ضاعف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأيام الأخيرة من تصريحاته الإعلامية، مهاجما بالخصوص تركيا التي تربطها اتفاقيات مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، مما أثار تساؤلات حول نوايا باريس الحقيقية بعد الهزيمة التي مني بها محميها المشير خليفة حفتر، الذي طرد من طرابلس والمنطقة الغربية بعد 15 شهرا من المواجهات المسلحة، على الرغم من الدعم الذي حظي به من قبل مجموعة من العواصم الأجنبية بما في ذلك باريس.

وقدمت فرنسا نفسها على أنها محايدة وتلعب دور الوسيط في الأزمة الليبية. وانخرطت منذ تولي الرئيس إيمانويل ماكرون السلطة في العام 2017، بعمق في البحث عن حل للأزمة في ليبيا من خلال إقامة اتصالات مع الطرفين المتنازعين، ونجحت بالتالي في تقوية نفوذها في هذا البلد الشمال أفريقي وأن تحل محل إيطاليا القوة الاستعمارية السابقة لهذه البلاد، بما لها من مصالح اقتصادية ضخمة واستثمارات.

وقد أتاح هذا الوضع لفرنسا من أن تكون لاعبا رائدا في ليبيا وأن تحافظ على علاقات مع حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها رسميا وحفتر الذي تدعمه سرا.

وهكذا نظم الرئيس ماكرون اجتماعين هامين في فرنسا حول ليبيا. الأول في العام 2017 وجمع بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج  وقائد الجيش الوطني الليبي المتمركز في الشرق المشير خليفة حفتر فيما نظم الثاني في العام 2018 وشارك فيه بالإضافة الى السراج وحفتر رئيسا مجلس النواب عقيلة صالح والمجلس الأعلى للدولة خالد المشري.

لكن المنافسة التي انخرطت فيها باريس مع إيطاليا لتأكيد نفسها باعتبارها القوة الوحيدة في ليبيا من أجل الحصول على أكبر حصة من الأسواق والنفوذ من استغلال الموارد النفطية ومشاريع إعادة الإعمار في هذه البلاد بعد انتهاء الصراع، أغلقت الباب أمام خطط باريس لتسوية الأزمة.

وكمثال على هذه المنافسة بين القوتين الأوروبيتين، نظمت إيطاليا، في نوفمبر 2018، مؤتمر باليرمو الدولي حول ليبيا، لإظهار أنها لا تزال موجودة على الساحة الليبية.

وقد ساعد هذا التنافس بين باريس وروما على إبعاد أي حل سياسي وبالتالي إطالة أمد البحث عن تسوية للأزمة  الليبية، بما أن كل دولة تسعى لفرض تبني وتنفيذ رؤيتها للأمور.

ووصفت الأمم المتحدة، في ضوء هذه المنافسة الشرسة بين فرنسا وإيطاليا، ما يقع في ليبيا بحرب بالوكالة.

بالإضافة إلى ذلك، اتهم العديد من الليبيين الممثل الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، اللبناني غسان سلامة، بـ "التحيز" و "خدمة" سياسة فرنسا وأجندتها.

وبالنسبة للمحلل السياسي الليبي مصطفى أبوزيد العيساوي ، "فقد بدأت السياسة الفرنسية تفسد في ليبيا من خلال لعب دور مزدوج. فبينما أعلنت دعمها لحكومة الوفاق الوطني المعترف لها دوليا باعتبارها صاحبة الشرعية، الا أنها تساعد سرا حفتر وتدعمه عسكريا بالسلاح والمستشارين".

وأشار العيساوي إلى أنه "في العام 2014 ، تم إرسال وحدات عسكرية فرنسية إلى بنغازي لدعم قوات الكرامة تحت قيادة حفتر" ، مضيفا أن "ثلاثة جنود فرنسيين لقوا حتفهم في تحطم طائرة، وهو ما يثبت تورط فرنسا على الأرض بالوسائل العسكرية".

وقال المحلل السياسي "إن الهجوم على طرابلس في أبريل 2019 هو الذي كشف الوجه الحقيقي لفرنسا ومدى دعمها لحفتر"، مشيرا إلى أن "المتظاهرين في ساحة الشهداء بطرابلس كانوا وهو ينددون بالهجوم يحاكون مظاهرات أصحاب السترات الصفراء (الحركة المعارضة للرئيس الفرنسي)".

ويمضي قائلا "لقد تم اكتشاف صواريخ جافلين الأمريكية المضادة للدبابات والتي كانت في حوزة الجيش الفرنسي في معسكر لحفتر في مدينة غريان بتاريخ 27 يونيو 2019 ، مما كشف حياد فرنسا المزعوم. وأظهر وقوفها إلى جانب قوات حفتر لأن المبررات المقدمة لم تقنع أحدا".

ويرى عدد من المراقبين للشأن المحلي في ليبيا أن حفتر لطالما لعب ورقة مكافحة الإرهاب كورقة رابحة لحشد دعم الدول الغربية لصفه

ويقول البعض إنه استخدم على وجه الخصوص مصطلح "إرهابي" طوال الوقت لتصنيف أعدائه ومعارضيه من أجل نزع مصداقيتهم عن طريق وضعهم في معسكر "المتطرفين الشريرين".

وأعرب الأكاديمي الليبي أسامة إبراهيم الصافي، عن دهشته من "انتقادات ماكرون لتركيا ورئيسها، الذي يتهمه بالتدخل في ليبيا وممارسة لعبة خطرة"، مضيفا أن "ماكرون يبدو أنه نسي دعمه لحفتر أيضا بالأسلحة كما بالمال، وكذلك سياسيا على مستوى المؤسسات الأوروبية والأمم المتحدة".

وأضاف أن "هذه الانتقادات الموجهة للرئيس أردوغان تفسرها الانتكاسات التي تعرض لها حفتر في طرابلس والتخلي عن خطته لاحتلال العاصمة والاستيلاء على المؤسسات الاقتصادية لخدمة حلفائه".

وتساءل الصافي قائلا "كيف أصبح ماكرون فجأة كفاقد للذاكرة من خلال إلقاء اللوم على الآخرين لما فعله هو نفسه في ليبيا من خلال دعم معسكر على حساب معسكر آخر لم يعد له أي شرعية".

ومضى الصافي قائلا إن فرنسا تراهن على الحصان الخطأ وخسرت الآن وهي لا تعرف ماذا تفعل باستثناء محاولة خلط الأوراق من أجل تمكين حليفها من موقع يسمح لها بالعودة لليبيا لاستنزاف مقدراتها والحصول على العقود وغيرها من الامتيازات النفطية.

ولاحظ أن تركيا ردت على الرئيس ماكرون باتهامه، بدوره ، بالمساهمة في إدامة الفوضى في ليبيا من خلال دعم "أعمال زعزعة الاستقرار التي قام بها حفتر وزرع الدمار بمهاجمة الحكومة الشرعية لسنوات والسعي للإطاحة بها".

وقال لقد ارتكبت فرنسا من خلال دعم حفتر عسكريا والرهان عليه، خطأ استراتيجيا، سيكلفها غاليا بما أنها ستجد نفسها خارج السباق وحلت محلها تركيا وروسيا اللتين أصبحتا لاعبين رئيسيين على الأرض تتوفران على القدرة على إحداث التأثير في ليبيا.

أما جلال الحرشاوي، الباحث في معهد كلينجندايل في لاهاي بهولندا، فأكد أن مواقف فرنسا تتوافق بشكل متزايد مع مواقف الإمارات العربية المتحدة التي تدعم حفتر، مضيفا أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان هو الذي دفع الرئيس ماكرون إلى تبني هذا الموقف.

وأضاف الحرشاوي في مقال نشره في صحيفة Slate.fr الإلكترونية أنه تحت ذريعة مكافحة الإرهاب تقلصت مساحة المناورة بالنسبة لفرنسا في ليبيا. واليوم تعتمد سياسة باريس الليبية على دولة الإمارات العربية المتحدة ومواقفها العنيدة للغاية، لأنه من غير المتصور في باريس مناقضتها. والنتيجة أن فرنسا ماكرون أصبحت تفكر اليوم كقوة صغيرة في الشرق الأوسط. وهي محاصرة بهذه الصداقة الاستثنائية وغير الوثيقة".

وقال إن هذا الوضع لا يشرف فرنسا التي تفوقت عليها اليوم منافستها إيطاليا، التي لم تلجأ للمساومة مع حفتر على الرغم تبنيها لمواقف سلبية تجاه الأزمة الليبية.

وأتاحت الزيارة الأخيرة لوزير خارجية إيطاليا لويجي دي مايو إلى طرابلس فرص إحياء التعاون الثنائي مع ليبيا وطمأنت روما على المكانة المتميزة التي تحتفظ بها مع السلطات الليبية.

ومن المقرر عقد اجتماع للجنة الفنية الليبية الإيطالية يوم 2 يوليو لمراجعة مذكرة التفاهم بين البلدين في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية حسب ما تم الاتفاق بشأنه.

هذا وتعمل الدبلوماسية الفرنسية اليوم على تشجيع استئناف العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة من أجل توفير دعم إضافي لحليفها حفتر وفق ما يرى هؤلاء المحللون.

وتهدف الاتصالات المتعددة مع رئيس الولايات المتحدة  دونالد ترامب، وروسيا وأيضا القمة المتوقعة بين إيمانويل ماكرون وفلاديمير بوتين، إلى العمل على تحقيق وقف لإطلاق النار من أجل الحفاظ على المواقع الحالية على الجبهة.

لكن كل ذلك لن يكون كفيلا بأن يلمع صورة فرنسا في أنظار الليبيين الذين يعتقدون أنها لعبت دورا سيئا في الأزمة وستتطلب منها الأمر جهودا كبيرة لإصلاح الضرر الذي تسببت فيه.

-0- بانا/ع ط/ 26 يونيو 2020