الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

استمرار الصراع في ليبيا يزيد من متاعب الليبيين ويفاقم معاناتهم

طرابلس-ليبيا(بانا)- ما زالت الفوضى الأمنية ومعاناة الليبيين وتفقيرهم السمات البارزة للحياة في ليبيا بعد مضي أكثر من تسع سنوات على ثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام معمر القذافي.

وفي ظل صراع مستمر تعود مساعي حله في كل مرة إلى المربع الأول، يتواصل تردي الظروف المعيشية للمواطنين رغم الثروات النفطية الهائلة التي تزخر بها أرضهم.

ولا شك أن تعطيل العملية السياسية لا يشجع إلا على المواجهة العسكرية التي لن تأتي بحلول للأزمة الليبية ولن تساهم في تخفيف المعاناة عن الليبيين.

الأستاذ الجامعي الليبي، محيي الدين البكوش، يؤكد أنه "بعد هزيمة قوات حفتر في طرابلس وطردها من كامل المنطقة الغربية للبلاد، تراجع خط الجبهة ليقف حاليا عند سرت (وسط) التي أصبحت محط جميع الأنظار بسبب أهميتها الإستراتيجية كبوابة للوصول إلى منطقة الهلال النفطي التي تحتضن حقول النفط الكبيرة والموانئ النفطية لتصدير الخام، كما أن لها مكانة رمزية لكونها مسقط رأس القذافي".

وأشار إلى أن "الجهود الجارية في الأسابيع الأخيرة مع تكثيف الاتصالات الرامية لإيجاد تسوية للأزمة، لا يبدو أنها ستفضي إلى خفض التصعيد العسكري في المدى القصير بالنظر إلى استمرار تحشيد القوات من كلال الجانبين سعيا لحسم الصراع بالقوة".

ولذلك -بحسب البكوش- "توجد رغبة جلية لخوص المعركة الحاسمة التي تعني بالنسبة لمعسكر حكومة الوفاق الوطني، بسط سيطرة الدولة على كامل التراب الوطني وطرد المرتزقة الروس والمليشيات الأخرى كالجنجويد الذين يقاتلون إلى جانب حفتر".

ويضيف "بالنسبة لمعسكر حفتر، تكمن أهمية سرت في قربها من معاقله التقليدية في الشرق، ومن شأن خسارتها أن تؤدي إلى انهيار كامل لما يسمى الجيش الوطني الليبي ونهاية محتومة على المستويين العسكري والسياسي لحفتر الذي فقد كثيرا من هيبته بعد الهزائم التي مُني بها في هجومه على طرابلس".

وختم البكوش بأن "استمرار الحرب يمثل وضعا يظل الخاسر الأكبر فيه هو المواطن الليبي الذي يرى معاناته تطول بسبب انعدام الأمن ونقص الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والعلاجات الطبية إذ يواجه أكثر من 250.000 طفل ليبي خطر الأمراض نتيجة نقص اللقاحات، هذا فضلا عن أزمة الإسكان وشح المواد الغذائية".

وأضحى الليبيون ضحايا للمواجهات المسلحة المستمرة طوال السنوات الماضية، إلى جانب معاناتهم من شتى أنواع المشاكل الحياتية كندرة البنزين وشح السيولة النقدية في المصارف وصعوبة الوصول إلى النقل الجوي مع قصف مطار معيتيقة الذي بقي مغلقا منذ شهور، رغم أنه المنفذ الجوي الوحيدة للعاصمة طرابلس والمدن القريبة منها، أي حوالي مليونين من سكان البلاد.

وأثناء الهجوم على طرابلس الذي استمر أكثر من 14 شهرا، نزح أكثر من 300.000 شخص، وفق إحصائيات الأمم المتحدة التي تشير إلى قرابة 400 قتيل مدني ومثلهم من الجرحى بينما لقي 2.000 من المقاتلين مصرعهم.

وكذلك، انقطع آلاف التلاميذ عن الدراسة بسبب النزوح القسري فرارا من المعارك.

ما زالت كل هذه الآلام والمشقات مستمرة اليوم، بعد انسحاب قوات حفتر التي زرعت الألغام والأجسام المتفجرة الأخرى قرب بيوت المواطنين وداخلها، ما أخّر عودتهم بعد سنوات من التشرد والسكن في أماكن غير لائقة وهشة، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.

وكشفت إحصاءات المصالح المختصة التابعة لحكومة الوفاق الوطني أن 27 شخصا قُتلوا وأصيب 40 آخرون جراء انفجار الألغام والعبوات الناسفة التي تركتها قوات حفتر.

بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، من جانبها، أكدت أن "زرع القوات التابعة للجيش الوطني الليبي (بقيادة حفتر) عشوائيا للعبوات الناسفة في أحياء مدنية قتل وجرح، منذ نهاية مايو، 81 مدنيا و57 من غير المدنيين خاصة من مفككي الألغام"، مستنكرة "الخرق المحتمل للقانون الدولي".

الناشط في المجتمع المدني الليبي، وليد بوليفة، يرى أن "الهجوم على طرابلس ووباء فيروس كورونا الميتجد (كوفيد-19) ضاعفا من هموم الليبيين بعد أن أصبحوا ملزمين بالتقيد بالإجراءات الاحترازية والبقاء في البيوت رغم أنهم يواجهون خطر سقوط القذائف أو صواريخ غراد على رؤوسهم في أي وقت".

وأشار إلى أن "انعدام الأمن ساهم في نشر وباء فيروس كورونا وكذلك نقص الوسائل المالية وتردي النظام الصحي حيث سجلت البلاد حتى اليوم، 1268 حالة من كوفيد-19 منها 926 حالة نشطة و306 حالة شفاء و36 وفاة".

وأضاف أن "هذه الخسائر الهائلة والمعاناة التي تكبدها الليبيون جراء حرب طرابلس لم تسفر سوى عن هزيمة حفتر وانسحاب قواته مدعية أنها قامت بانسحاب إستراتيجي حفاظا على مقاتليها بينما خلفت مغامرته مآسي لا تحصى".

ويؤكد بوليفة أن "حياة الليبيين مهمة وأن مرتكبي الجرائم والدول الداعمة لهم يجب أن يحاسبوا أمام العدالة الليبية على الانتهاكات التي اقترفوها بحق الليبيين الأبرياء العزل الذين لا يريدون سوى العيش في سلام".

وفي هذا الصدد، أعرب الناشط المجتمعي عن ترحيبه "بإعلان المحكمة الجنائية الدولية موافقتها على إرسال فريق تحقيقات في الجرائم، خاصة المقابر الجماعية المكتشفة في ترهونة (95 كلم جنوب طرابلس) وكذلك تبني مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا بإرسال فريق لتقصي الحقائق حول الجرائم المرتكبة في ليبيا منذ 2016".

من جانبه يتساءل المحلل السياسي الليبي، أحمد الفيتوري، عن السخافة التي دفعت لإطلاق الهجوم الدموي ذي العواقب الكارثية، مشيرا إلى أن "حفتر أقدم على إطلاق هذا الهجوم، بناءً على خطإ في التقدير جعله يضخم قدراته ويستخف بمقاومة الخصم، كما أن الدول الداعمة له وخاصة مصر والإمارات العربية المتحدة، بطموحاتها المفرطة، ضغطت عليه للإسراع بالسيطرة على طرابلس حتى تضع اليد على الموارد النفطية لليبيا من خلال احتلال العاصمة التي تحتضن المؤسسات السيادية كالمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط".

ولفت الفيتوري إلى أن "هذا الوضع يفسر الحصار المفروض على المواقع النفطية ووقف الإنتاج وحرمان الشعب الليبي من المصدر الأول لإيراداته ليزداد تفاقم معاناته".

وكانت القوات المسلحة الليبية بقيادة حفتر باشرت، في 18 يناير الماضي، إغلاق الحقول والموانئ النفطية في مختلف مناطق البلاد، ما أدى إلى هبوط إنتاج النفط بأكثر من 800 ألف برميل يوميا من أصل 1,2 مليون برميل يوميا في الحالة الطبيعية. وهكذا، قدرت المؤسسة الوطنية للنفط مجموع خسائر هذا الإغلاق بـ6,5 مليار دولار.

بيد أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وفق حكومة الوفاق الوطني التي تشدد على ضرورة استئناف الإنتاج النفطي لتمكين الليبيين من الوصول إلى مصدر دخلهم والعيش بكرامة.

وطُرحت هذه القضية بإلحاح منذ ظهور مرتزقة فاغنر الروس في حقول نفطية منها حقل الشرارة  (جنوب غرب) أحد أكبر الحقول النفطية في البلاد.

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط عن مفاوضات بين حكومة الوفاق الوطني والولايات المتحدة ودول المنطقة برعاية الأمم المتحدة لاستئناف إنتاج النفط والعمل على إبعاد النفط عن التجاذبات السياسية والأعمال العسكرية.

واليوم، لا تلوح في الأفق بوادر لقرب انتهاء القتال رغم الجهود التي تبذلها أطراف عديدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار.

وقد لخص الأمين العام للأمم المتحدة الوضع في مداخلته، يوم الأربعاء عبر الفيديو أمام دورة مجلس الأمن الدولي حول ليبيا، حيث أشار إلى أن "تحركات الوضع السياسي في شرق ليبيا تعكس دعما متجددا للحل السياسي"، مبينا أن مبادرة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ثم إعلان القاهرة الذي استند إليها الداعية إلى إعادة هيكلة المجلس الرئاسي في ليبيا، تمثل تقدما.

وفي المقابل، أشار إلى أن "حكومة الوفاق الوطني دعت وما زالت تدعو إلى تنظيم انتخابات وطنية باعتبارها الحل للأزمة".

واعتبر أن هذين الحلين قد يتكاملان ويشكلان أرضية للتفاهم، لافتا إلى أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تواصل جهودها للتوصل إلى وقف إطلاق النار. لكنه أقر بأن التحشيد العسكري يبدو طاغيا على التحركات السلمية، ما يدفع إلى الخشية من استمرار التصعيد العسكري.

من جانبه، جدد وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، في كلمته أمام دورة مجلس الأمن الدولي حول ليبيا، "دعم بلاده لمخرجات مؤتمر برلين"، مقترحا "أربعة خطوط عمل رئيسية لتسوية الأزمة الليبية".

وأوضح أن هذه المحاور تتمثل في "انتهاء جميع التدخلات الأجنبية التي تنتهك قرار الأمم المتحدة حول حظر توريد الأسلحة، وإبرام اتفاق وقف إطلاق النار وتشجيع الحوار السياسي من أجل حل شامل دون تسويف والاستئناف الفوري لإنتاج النفط".

ويرى المراقبون أن حلول الأزمة الليبية موجودة لكن التدخلات الأجنبية تظل العقبة الكبرى أمام تحقيق السلام في هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا.

-0- بانا/ي ب/س ج/10 يوليو 2020