الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

صلابة وقوة وقف إطلاق النار في ليبيا على المحك في ظل معوقات العملية السياسية

طرابلس-ليبيا (بانا) - يوجد وقف إطلاق النار في ليبيا، وهو الإنجاز الرئيسي الذي قامت عليه استراتيجية بعثة الأمم المتحدة للدعم لحل الأزمة في هذا البلد واستئناف العملية السياسية، يوجد اليوم على المحك في ظل معوقات وصعوبات تواجه العملية السياسية.

ويواجه وقف إطلاق النار حاليا اختبارات قاسية جراء أعمال وانتهاكات تهدد بتحطيمه وإعادة البلاد إلى المربع الأول مع خطر حدوث مستويات غير مسبوقة من العنف والحرب الشاملة.

فقد هاجمت القوات الموالية لخليفة حفتر، يوم الاثنين الماضي، معسكرا للجيش في بلدة أوباري جنوب غرب ليبيا، تسيطر عليه القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، في عمل ينتهك اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 سبتمبر 2020 في جنيف، في إطار اللجنة العسكرية المشتركة، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وجاء هذا الحدث في سياق سلسلة انتهاكات وجهت لها اتهامات من قبل مسؤولين بالجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق الوطني بمن فيهم وزير الدفاع صلاح النمروش الذي هدد بالانسحاب من الاتفاق السياسي في حال استمرت هذه التجاوزات من قبل قوات حفتر دون رادع.

وصرح الناطق باسم القوات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق الوطني العقيد محمد قنونو  أنه سجلت مرارا انتهاكات لوقف إطلاق النار ارتكبتها قوات حفتر بما في ذلك إطلاق قذائف وصواريخ وكذلك حفر خنادق وزرع ألغام حول مدينة سرت (وسط البلاد).

وهذه مواقف شبهها قنونو بالتحضير للحرب أو لهجوم جديد كالذي نفذ في أبريل 2019 للسيطرة على العاصمة طرابلس.

وفي المقابل، يدحض معسكر حفتر هذه الاتهامات، مؤكدا تمسكه باحترام اتفاق وقف إطلاق النار.

وفي الواقع فإن اتفاق وقف إطلاق النار يجاهد من أجل الصمود والتنفيذ على أرض الواقع، وذلك حتى برأي الكثير لا سيما الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز التي أشارت إلى التأخر في تنفيذ بنود الاتفاق.

وبالفعل، فإن اتفاق وقف إطلاق النار ينص على انسحاب طرفي النزاع من خطوط التماس وعودتها الى الثكنات ورحيل المقاتلين والمرتزقة الأجانب خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع على الاتفاقية.

ويأتي ذلك على الرغم من عقد اجتماعين للجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 على الأراضي الليبية، في كل من غدامس وسرت (600 كلم جنوب غرب العاصمة و450 كلم شرق طرابلس على التوالي)، مما مكن من إنشاء لجنة فرعية للمراقبة وتعيين مقر دائم للجنة.

وفي ظل هذا التطور، اعتبر المحلل السياسي الليبي محمود مفتاح العرفي أن "الحفاظ على وقف إطلاق النار مهدد بشكل خطير بالنظر إلى أن الوضع يمكن أن يؤدي إلى تصعيد بين المتحاربين وأي تهور ولو صغير يمكن أن يخرج الوضع عن السيطرة ويدفع البلاد إلى الحرب".

وشدد على أنه "على الرغم من أن المعسكرين التابعين لحكومة الوفاق الوطني ولقوات القيادة العامة (حفتر) انخرطا في عملية وقف إطلاق النار التي وقعاها واحترماها بشكل عام، حيث أنه لم تحدث مواجهة كبيرة بين الطرفين منذ شهر يونيو الماضي، لكن في المقابل وبالموازاة مع ذلك، استمر المعسكران في التحضير للحرب وتسليح أنفسهما بتكديس ترسانة أسلحة وكأنهما غير مقتنعين بالسلام الذي وقعا عليه".

وأعاد العرفي، في هذا الإطار، إلى الأذهان "استمرار إغراق المعسكرين بالسلاح وتزويدهما بالعتاد الحربي من قبل حلفائهما الأجانب"، مستحضرا تصريحات المبعوثة الأممية إلى ليبيا التي كشفت عن وجود عشر قواعد عسكرية تحتلها قوات أجنبية كليا أو جزئيا في جميع أنحاء مناطق البلاد ووجود 20 ألف من المقاتلين الأجانب والمرتزقة.

ويشاطر عدنان العوامي الناشط في المجتمع المدني الليبي، هذا الرأي حيث تحدث بدوره عن "حالة الاستعداد للحرب والتهديدات بالعودة إلى المربع الأول من خلال استمرار التدخل الأجنبي الذي يواصل ممارسة الضغط على أطراف الصراع في ليبيا".

وبحسبه فإن "الدول الأجنبية تواصل مناوراتها وراء الكواليس لنسف عملية تسوية الأزمة بالوسائل السياسية"، مؤكدا أنها "تريد الحفاظ على تواجدها في ليبيا من خلال الاستمرار في إمداد أطراف النزاع بالسلاح" للحفاظ على مصالحها والدفاع عنها".

ومع ذلك، فإن مسار التسوية العسكرية في ليبيا في اطار لجنة 5+5 تم إجراؤه تحت رعاية الأمم المتحدة وكان بمثابة قاطرة للعملية السياسية التي انطلقت إلى الأمام ما سمح بتنظيم منتدى الحوار السياسي الذي أجبر المشاركون فيه على مواجهة التحدي المتمثل في تحقيق مكتسبات على غرار ما تحقق في المسار العسكري.

وضمن هذا الإطار، اعتمد منتدى الحوار السياسي الليبي خارطة طريق تتضمن مرحلة انتقالية، وتحديد اختصاصات السلطة التنفيذية الموحدة الجديدة، وتحديد موعد الانتخابات العامة في 24 ديسمبر 2021..

لكن هذا التقدم توقف عندما تناولت مباحثات المشاركين في منتدى الحوار السياسي ترشيح واختيار قيادات السلطة التنفيذية للمرحلة الانتقالية مع بروز الخلافات مما أدى بالعملية السياسية إلى طريق مسدود.

كما كان لهذا المأزق تداعيات على مستوى مسارات الحوار الأخرى، لا سيما في مجلس النواب (البرلمان) الذي تحولت جلسته يوم الثلاثاء في غدامس (جنوب غرب)، بهدف توحيد المؤسسة ، إلى إخفاق تام ، على الرغم من حضور 123 نائب يجتمعون لأول مرة على الأراضي الليبية منذ أربع سنوات بسبب انقسام هذه الهيئة التشريعية كنتيجة للانقسامات السياسية.

ويثير هذا الجمود مخاوف من تجدد الحرب والاشتباكات وبالتالي تدمير كل الجهود المبذولة لحل الأزمة واستعادة الاستقرار في البلاد والاستجابة لتطلعات الليبيين الذين سئموا الحرب والفوضى الأمنية والآملين في الانتفاع بخيرات بلادهم والعيش في رفاهية.

ويقول مراقبون للساحة الليبية إن مخاطر انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي ظل قائما حتى الآن في مواجهة الاختبارات، لم يكن أكثر وضوحا من أي وقت مضى.

وضع من شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة تأخذ كل شيء في طريقها، وفقا لهؤلاء المحللين أنفسهم.

وحذر صلاح الشريف، الأستاذ الجامعي الليبي في طرابلس، من "حرب جديدة في ليبيا ستحرق البلاد بأكملها وتكون أكثر دموية لأن الأسلحة التي سيتم استخدامها ستكون أكثر فتكا بما أن الجانبين توصلا بالمزيد من المعدات العسكرية المتطورة ومتنوعة المنشأ "، مستحضرا تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي كشف عن وجود صواريخ موجهة إيرانية الصنع مضادة للدبابات.

وتوقع أن "هذه المرة ستشهد الحرب استخداما مكثفا للسفن الحربية وحتى الطائرات المقاتلة وطائرات بدون طيار أكثر فاعلية مع خطر أكبر من استهداف المدنيين الذين سيكونون أول الضحايا".

وأكد الشريف أن "الشيء الوحيد القادر على عكس هذا الاتجاه هو قرار من الليبيين برفض خيار الحرب إدراكا منهم بأنهم وحدهم الخاسرون الحقيقيون وبالتالي يتعين عليهم العمل بكل الوسائل على تجاوز خلافاتهم والسعي للحفاظ على مصلحة الوطن لإعطاء الفرصة لإعادة إعمار البلاد بعد كل هذه السنوات من الفوضى والاشتباكات المسلحة".

واقترح أن يعمل "الأمين العام للأمم المتحدة على الطلب من مجلس الأمن بإصدار قرار ملزم بضرورة احترام الأطراف للترتيبات المتفق عليها على مستوى اللجنة العسكرية 5 + 5 وعلى مستوى منتدى الحوار السياسي"، معيدا إلى الأذهان بأن "المشاركين في مسار الحوار العسكري طالبوا في اجتماعاتهم بتبني قرار (من مجلس الامن) ملزم ببنود اتفاق وقف اطلاق النار".

إلا أن الاستقطاب على مستوى الأمم المتحدة، على وجه الخصوص ، في مجلس الأمن يمثل عقبة كأداء أمام اتخاذ قرارات فاعلة تلزم احترام التعهدات الواردة في الملف في ليبيا.

وفي الواقع، فقد استخدمت دول مثل روسيا، حليفة حفتر والعضو الدائم في مجلس الأمن، حق النقض لحماية حليفها، وشلت هيئة الأمم المتحدة مدة 13 شهرا من الحرب على طرابلس في أعقاب الهجوم الذي تم شنه في أبريل 2019 للسيطرة على العاصمة من قبل قوات خليفة حفتر.

-0- بانا/ي ب/ع ط/ 11 ديسمبر 2020