الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

وسط مخاوف من امتداد آثار الصراع إليها، ليبيا تسعى للوساطة بين الفرقاء السودانيين

طرابلس-ليبيا(بانا)- على الرغم من جمود العملية السياسية الذي يواجه ليبيا، ويحول دون الذهاب إلى انتخابات وطنية تعتبر مفتاح الحل للأزمة السياسية-العسكرية في البلاد، تعتزم السلطة التنفيذية في ليبيا، المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية القيام بوساطة لتقرير وجهات النظر بين الفرقاء السودانيين المتحاربين بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار.

وتأتي هذه المساعي فيما بدأت تداعيات الصراع بين الأطراف السودانية وآثاره السلبية تمتد إلى ليبيا جارة السودان والواقعة في شمال إفريقيا، حيث يتدفق عليها اللاجئون السودانيون الذين يعبرون الحدود فرارا من القتال.

ويواجه الشعب السوداني، منذ أبريل 2023، صراعا مسلحا بين قوات الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي"، خلف أكثر من 13 ألف قتيل ونحو ثمانية ملايين نازح ولاجئ، داخل البلاد وفي الدول المجاورة، بحسب آخر بيانات للأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، وصل رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبدالفتاح البرهان، يوم الاثنين إلى طرابلس، في زيارة رسمية إلى ليبيا، تزامنا مع بدء السلطات الليبية وساطة لتقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع السوداني بغرض التوصل إلى وقف إطلاق النار في السودان وتحقيق الاستقرار والسلام فيه.

وأكد رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، بهذه المناسبة، على دعم ليبيا لوحدة  السودان، ولجهود رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وما يقوم به من جهود من أجل الاستقرار في السودان.

وعبر المنفي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع البرهان، عقب مباحثاتهما في طرابلس، عن تأييد ليبيا لمخرجات اجتماع جدة بالمملكة العربية السعودية، الذي انعقد في مايو العام الماضي باعتباره خطوة مهمة لإنهاء الصراع والحرب والضامن للاستقرار في السودان.

ويجدر التذكير بأن وساطة أمريكية-سعودية تمخضت عن هدن قصيرة للسماح بنقل المساعدات الإنسانية إلى السكان المتضررين من المواجهات المسلحة، لكن الأمر لم يصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

ولم تمكّن هذه الوساطة ولا جهود الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) والاتحاد الإفريقي من تحقيق السلام في السودان.

ويطالب الجيش السوداني بخروج قوات الدعم السريع من المقرات الحكومية وبيوت المواطنين كشرط مسبق لأي حوار بينما يشترط قادة هذه القوة شبه العسكرية، مغادرة قادة الجيش وعلى رأسهم الفريق البرهان.

وأشار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، خلال المؤتمر الصحي، إلى معاناة ليبيا من الحروب خلال الفترات الماضية والتدخلات الخارجية السلبية التي تسببت في الفرقة بين الليبيين، مؤكدا على  دعم موقف السودان في جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي وغيرها من المنظمات الإقليمية والاقتصادية.

وأكد المنفي أن  لاجئي السودان في ليبيا سيعاملون معاملة الليبيين في جميع النواحي التعليمية والصحية.

ومع دخول الصراع في السودان شهره العاشر، يتوافد العديد من الأشخاص النازحين على ليبيا بحثا عن الأمان والمساعدة، خاصة على مدينة الكفرة الليبية، الواقعة بالقرب من الحدود السودانية-الليبية، ما يعكس تفاقم الأزمة الإنسانية.

ودفع هذا الوضع حكومتي شرق وغرب ليبيا والمجتمع الدولي إلى إطلاق دعوة عاجلة بالمساعدة والتدخل قبل وقوع كارثة إنسانية ولتجنب انهيار الوضع في المدينة، بينما دعا عميد بلدية الكفرة إلى إيجاد حل جذري لموجات النزوح هذه، والتي تيلغ أعدادها أكثر من 50 ألف شخص وفق تقديرات غير رسمية.

من جانبه، أكد رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان على "متانة وعمق العلاقة بين الشعبين والبلدين الشقيقين" التي وصفها بالأزلية، قائلا: "اتفقنا على أن نعزز علاقتنا من خلال الأوجه المختلفة، الاقتصادية والسياسية والعسكرية".

 وأشاد البرهان "بالمواقف الإيجابية لدولة ليبيا تجاه السودان الداعية والداعمة لوحدته وأمنه القومي واستقراره ورفض التدخلات الخارجية السلبية في البلدين الشقيقين".

وعبر رئيس مجلس السيادة السوداني عن شكره لدولة ليبيا على استقبال عشرات الآلاف من السودانيين اللاجئين، منوها بالأدوار المشرفة التي تضطلع بها ليبيا لصاح السودان وشعبه.

كما شدد البرهان على أهمية التعاون من أجل إعادة الاستقرار والبناء الوطني للشعبين السوداني والليبي دون أي تدخلات خارجية سلبية، مبرزا ضرورة تفعيل كافة الآليات السابقة التي ستبنى مستقبلاً من أجل تقوية وتطوير أواصر التعاون والتنسيق بين البلدين.

وبعد لقائه مع المنفي، أجرى رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبدالفتاح البرهان، محادثات مع رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبدالحميد الدبيبة، حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية المشتركة بين البلدين.

وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبدالحميد الدبيبة، أكد في مكالمة هاتفية مع قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو، على ضرورة تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية لإحلال السلام والاستقرار في السودان، وذلك ضمن مبادرة وساطة جديدة تقوم بها رئاسة السلطة التنفيذية الليبية في الملف السوداني.

وقدم الدبيبة، خلال المكالمة الهاتفية التي جرت يوم السبت، دعوة إلى حمدان دقلو لزيارة ليبيا، حسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء.

من جانبه، عبّر قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو حميدتي، في منشور على منصة إكس، عن شكره لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، على دعوته له لزيارة ليبيا والتي سيلبيها في القريب العاجل، مضيفا أنه يقدر مبادرته وجهوده في دعم الاستقرار والسلام في السودان.

وقال حميدتي إنهما ناقشا تطورات الأوضاع في السودان وعرضا رؤيتهما لحل الأزمة من جذورها.

وفور اندلاع الاشتباكات المسلحة في السودان، في منتصف أبريل 2023، دعت حكومة الوحدة الوطنية الأطراف السودانية إلى نبذ النزاع واستئناف الحوار للدفاع عن وطنهم والحفاظ عليه وصون مصالح الشعب وتجنيبه ويلات الحرب.

كما دعت وزارة الخارجية الليبية جميع الأطراف السودانية إلى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين.

ورغم عدم الكشف عن أي تفاصيل بشأن زيارة البرهان لطرابلس، إلا أن الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية، محمد حمودة، تحدث عن إمكان الدعوة لعقد اجتماع مشترك بين طرفي الصراع السوداني في ليبيا.

وقال حمودة، في تصريحات للصحافة نشرتها بوابة "الوسط" الإخبارية"، إن "هذا الأمر متروك للإخوة في السودان"، مبينا أن "ليبيا لا تفرض أي رؤية معينة للحل أو طريقة معينة، ولكن ما تسعى إليه ويسعى إليه رئيس الحكومة هو لعب دور إيجابي من أجل تقريب وجهات النظر".

وحذر الناطق باسم الحكومة الليبية من "أي تدخلات سلبية قد تدعم طرفا دون آخر من أجل فرض أمر واقع بالقوة".

وقال الناطق باسم حكومة الوحدة الوطنية "إن ليبيا تسعى إلى توفير مناخ قد يسهم في تقريب وجهات النظر ووقف إطلاق النار بين طرفي النزاع في السودان، في إطار الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه ليبيا"، منوها بأن "ليبيا ومنذ اندلاع الأحداث في السودان، اتخذت مواقف لصالح الشعب السوداني ولم تتدخل إلا من أجل تقديم الدعم الإنساني ومن أجل مساعدة الإخوة السودانيين واستقبال اللاجئين منهم".

وبخصوص زيارة قائد قوات الدعم السريع، قال حمودة إن الفريق محمد حمدان دقلو قبل الدعوة وسيأتي إلى ليبيا، مشيرا إلى غياب أي تفاصيل حول المبادرة لكن التواصل مستمر بين الدبيبة والأطراف السودانية في إطار تعزيز التعاون بين البلدين.

بدوره، أكد وزير الخارجية بالإنابة في حكومة الوحدة الوطنية الطاهر الباعور، أن الحكومة اتخذت قرارا بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف في السودان وما يحدث هناك سيؤثر على ليبيا بشكل مباشر أو غير مباشر.

وقال الباعور، في تصريح لقناة "ليبيا الأحرار" الليبية، إن التدخل يجب أن يكون إيجابيا بهدف المصالحة، مضيفا "طرحنا فكرة إسهام ليبيا في حل الأزمة السودانية ووجدنا ترحيبا من كافة الأطراف هناك".

وأشار إلى أن حميدتي أبدى موافقة على الدور الليبي في حل الأزمة السودانية دون أي شروط ويتوقع وصوله إلى طرابلس خلال هذا الأسبوع أو الأسبوع القادم.

وجدد الباعور التأكيد على أن ليبيا تعمل لتحقيق وقف إطلاق النار وتقديم المعونات الإنسانية في السودان مع بداية شهر رمضان المبارك الذي سيحل بعد أقل من أسبوعين.

وتجدر الإشارة إلى أن اسم قائد الجيش الوطني الليبي المتمركز في الشرق، المشير خليفة حفتر، مرتبط بقائد قوات الدعم السريع محمد دقلو، من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي له.

وتحدثت تقارير إخبارية عن تهريب الوقود والأسلحة عبر ليبيا ودول أخرى إلى قوات الدعم السريع في السودان.

وأوضحت هذه المصادر الإعلامية أن مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية المتحالفة مع حفتر والمتواجدة إلى جانبه، نقلوا أنظمة دفاع جوي محمولة وذخائر إلى قوات الدعم السريع في السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد.

وبحسب هذه التقارير، زوّد حفتر  قوات الدعم السريع بالوقود والأسلحة عبر قواعد جوية وبرية، منها على الأخص، قاعدة الويغ القريبة من الحدود مع تشاد والنيجر، حيث يسيطر على عدة ألوية تمارس نقل الوقود والأدوات الطبية والمعدات اللوجستية بالتعاون مع فاغنر.

ومعروف أن مرتزقة الجنجويد التابعين لقوات الدعم السريع في السودان قاتلوا إلى جانب حفتر خلال هجومه على طرابلس في أبريل 2019.

وربط مراقبو المشهد السياسي الليبي بين هذه الوساطة الليبية والزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، منتصف فبراير الجاري، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في القمة العالمية للحكومات والتي التقى خلالها برئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، الذي تعد بلاده حليفة لحفتر وحميدتي.

وأشار هؤلاء المراقبون إلى أن ابن زايد قدم طلبا للدبيبة للقيام بمساعي حميدة في السودان من أجل إيجاد حل.

ويبقى الأمل في أن تنجح هذه المحاولة الليبية وأن تجلب السلام إلى السودان، الذي يعاني شعبه بشدة من هذا الصراع الدائر بين الأشقاء والذي يهدد بالتوسع  إلى البلدان المجاورة وتعريض السلام والاستقرار فيها للخطر.

-0- بانا/ي ب/س ج/ 29 فبراير 2024