الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

تنظيم الانتخابات العامة في ليبيا يعتبر محور التسوية السياسية للأزمة

طرابلس-ليبيا (بانا) - في الوقت الذي تتكاثر فيه اللقاءات بين الفرقاء الليبيين، وتتكثف المبادرات الدبلوماسية قبل انعقاد منتدى الحوار السياسي الليبي الجامع برعاية الأمم المتحدة في نوفمبر المقبل في تونس، من أجل التوصل إلى حل نهائي للأزمة في هذا البلد، يطرح ملف تنظيم انتخابات عامة نفسه بقوة باعتباره حجر الزاوية في صرح تسوية الأزمة الليبية.

فقد أصبحت الغالبية العظمى من الليبيين وكذلك المجتمع الدولي أو الأمم المتحدة، موقنين بأن الانتخابات هي الخطوة الضرورية لإيجاد مخرج من الأزمة، من خلال منح الشعب الفرصة للتعبير عن نفسه واختيار مؤسساته التي تتمتع بالشرعية .

وفي هذا الخصوص، يرى المحلل السياسي الليبي محمود الزايدي أن "الشيء الوحيد الذي لا يزال يختلف بشأنه فرقاء الأزمة الليبية هو تحديد تاريخ لتنظيم هذه الانتخابات التي ينظر إليها كمفتاح لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا بعد قرابة عقد من عدم الاستقرار في هذه الدولة الواقعة في الشمال الافريقة والغنية بالنفط.

يذكر أن القائمة بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز اعتبرت أن منتدى الحوار السياسي الليبي يمثل "فرصة  لليبيين لإجراء محادثات لحل الأزمة والوصول إلى اتفاق يقود لتنظيم انتخابات تمكن من استعادة الاستقرار والسلام في بلدهم".

وحثت "الليبيين وخاصة من منهم في مراكز صنع القرار، على اغتنام هذه الفرصة، والارتقاء إلى تطلعات الشعب الليبي في تنظيم انتخابات وطنية لاستعادة سيادة البلد عبر سلطة تمثيلية، ولكن قبل كل شيء من أجل تحقيق وحدة الليبيين وسلامهم وكرامتهم“.

وتعليقا على تصريح السيدة وليامز، أكد الزايدي أن "المناقشات بين الليبيين خلال المنتدى السياسي الجامع ستركز على الاستعدادات للتوصل إلى توافق بشأن تنظيم انتخابات عامة تسبقها مرحلة تحضير انتقالية، مع إعادة هيكلة المجلس الرئاسي، وتشكيل حكومة برئيس وزراء مستقل مسؤول عن تلبية احتياجات المواطنين على وجه السرعة من الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء، وتوفير السيولة في البنوك وضمان الرعاية الصحية للتعامل مع وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي يعيث فسادا في البلاد حيث  تجاوز عدد الاصابات المؤكدة بهذا الوباء 46 ألفا".

وكان موضوع الانتخابات في صلب جميع الخطط لحل الأزمة وضمن كل المبادرات المقترحة خلال السنوات التسع الماضية للتسوية، إلا أن النقاشات السياسية كات تطغى عليها خلافات يغذيها التدخل الأجنبي من الدول الراعية لأحد من المعسكرين المتخاصمين أو  التي لديها مصالح في ليبيا.

وكانت مبادرة التسوية السياسية الأخيرة هي التي اقترحها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج في 21 أغسطس الماضي أثناء إعلان وقف فوري لإطلاق النار ووقف جميع الأعمال العدائية، وتضمنت تنظيم انتخابات عامة في مارس 2021 بعد أن يتوافق الليبيون بالإجماع على القاعدة الدستورية لها.

وكان السراج يدعو دوما إلى اللجوء للانتخابات كحل لإنهاء الأزمة التي تعصف بالبلاد.

كما جدد السراج التأكيد على ذلك مرة أخرى في 16 سبتمبر الماضي خلال إعلانه عن رغبته في الاستقالة نهاية أكتوبر وتسليم السلطة لهيئة جديدة تختارها لجنة الحوار السياسي الليبي.

غير أنه شدد على أنه من أجل تجاوز هذا المأزق فمن المهم التوجه نحو مخرج من الأزمة بالسماح بإعادة هيكلة المجلس الرئاسي وإجراء عملية انتقالية يقترحها أطراف الحوار السياسي، تتوج بتنظيم انتخابات عامة.

وفي يونيو الماضي بعد هزيمة وانسحاب قوات خليفة حفتر في طرابلس والمنطقة الغربية، استجاب السراج لمبادرة السلام التي قدمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحت مسمى  "إعلان القاهرة لتسوية الأزمة في ليبيا"، مؤكدا أنه لم يعد هناك وقت للتضييع في نقاشات لا طائل من ورائها، ولن تؤدي وراء الكواليس سوى لإيجاد مخرج مشرف لحفتر.

واقترح العودة للشعب الليبي عبر صناديق الاقتراع ليختار قادته بحرية تامة، تجسيدا لمبدأ الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة في إطار دولة مدنية وبعيدا عن "مشروع العسكرة" أو استعادة نظام "طغيان" ثار ضده الليبيون.

ومن جانب آخر، وجه رؤساء بلديات المنطقة الغربية للبلاد الدعوة لإجراء انتخابات تشريعية في فبراير 2021 على أساس الإعلان الدستوري وقانون الانتخابات لعام 2014.

فقد أعلن "عدد كبير من رؤساء البلديات" خلال اجتماعهم الثاني الذي عقد يوم الخميس، دعمهم للمبادرة التي سبق وأن طرحت في الأول من أكتوبر من قبل 29 رئيس بلدية في المنطقة الغربية.

وتنص المبادرة بحسب بيان صادر عن بلدية  طرابلس المركز، على أربع نقاط ، وأهمها ضرورة الإسراع بإجراء انتخابات تشريعية على أساس الإعلان الدستوري وقانون الانتخابات لعام 2014 في موعد أقصاه فبراير 2021

وقبل ذلك، اتفق وفدا مجلس النواب (البرلمان) والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، المجتمعين من 11 إلى 13 أكتوبر الجاري في العاصمة المصرية القاهرة، على ضرورة الإعلان عن خارطة طريق محددة لإنهاء الانتقال السياسي الجاري، مقترحين في ختام لقائهم، على ضرورة إدارة المرحلة الانتقالية من خلال تسوية الملفات التي تشكل عقبة أمام التسوية وتحديد تاريخ  الانتخابات في موعد أقصاه أكتوبر 2021.

وهكذا يبدو أن الجميع متفقون على اعتبار الانتخابات السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الليبية وإن كانوا يختلفون بشأن مواعيدها، وهي اختلافات تعكس في الواقع الحرص على تنظيمها مع الأخذ في الاعتبار الظروف الراهنة والاستثنائية التي تمر بها البلاد لضمان نجاحها.

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي تقدم بمبادرة وساطة بين الأطراف الليبية، صرح أن "الطريقة الوحيدة لإعادة بناء الدولة الليبية هي تنظيم انتخابات مهما كانت الصعوبات التي تواجهها".

وشبه الرئيس الجزائري في مقابلة حدييثة مع صحيفة "لو بوان" الفرنسية، الحالة الليبية القائمة "بإعطاء أقراص أسبيرين مسكنة لجسم نخره مرض خطير"، مضيفا "أن ذلك لن تكون له أية فائدة".  

وبحسبه فإن "الطريقة الوحيدة لإعادة بناء ليبيا هي الشرعية الشعبية من خلال تنظيم انتخابات مهما كانت الصعوبات"، مضيفا أن "توحيد المؤسسات لا يمكن أن يتم دون الاتفاق على شخص شرعي منتخب من طرف كل الشعب الليبي".

ويرى كامل فرج الرابطي، الناشط في المجتمع المدني الليبي "ضرورة تنظيم الانتخابات بشفافية وتكافؤ الفرص لجميع المرشحين حتى تكون ذات مصداقية"، مضيفا أن "هذا يتطلب شروطا معينة" خاصة توفير الأمن في البلاد، بحيث يمكن للناس التصويت بدون خوف أو ضغط.

وشدد على "أهمية مشاركة جمعيات المجتمع المدني في التأطير المجتمعي للانتخابات في مختلف مراحلها من خلال المساهمة في توعية المواطنين والمرشحين والتواجد يوم الاقتراع في مكاتب التصويت لضمان أن العملية تتم وفق القواعد والمعايير التي يتطلبها الاقتراع السري والحر".

وبحسبه فإن "وجود مراقبين دوليين، سواء من المنظمات الإقليمية أو القارية أو العالمية، يمثل عاملا أساسيا في نجاح الانتخابات ومصداقيتها".

واستحضر الربطي ما سبق للمبعوث الأممي السابق إلى ليبيا غسان سلامة أن وضعه كشروط مسبقة لتنظيم الانتخابات في ليبيا، وهي بالإضافة إلى توفير الأمن والوسائل، التزام جميع أطراف الصراع بقبول نتائج هذه الانتخابات.

ومن جانبه، أكد هيثم القماطي المسؤول في شركة نفط بطرابلس، أنه "يمكن تنظيم انتخابات في ليبيا في غضون عام في ظل ظروف أفضل" ، مذكرا أن "المفوضية العليا المستقة للانتخابات الليبية لديها ما يكفي من الخبرات المكتسبة منذ عام 2012 بعد تنظيم ثلاث عمليات اقتراع جرت بالبلاد".

وأضاف أن "المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لن يتوانى عن تخصيص الميزانية اللازمة للمفوضية العليا للانتخابات للقيام بمهمتها"، كما أن "الشركاء الدوليين الثنائيين والمنظمات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لن تحجم عن تقديم الدعم الفني واللوجستي لتنظيم الاقتراع".

وهكذا، يؤكد مراقبو المشهد السياسي الليبي أن ما يجب على المشاركين في منتدى المحادثات السياسية الليبية هو استخلاص الدروس من الحوارات السابقة وعدم الوقوع في شرك نقاشات لا طائل منها، داعيا، بدلا عن ذلك، التوجه مباشرة لمناقشة إيجاد أساس دستوري توافقي لتنظيم الانتخابات في أسرع وقت من قبل حكومة وحدة وطنية تمثل الليبيين بعد إعادة هيكلة المجلس الرئاسي المتكون من شخصيات من المناطق التاريخية الثلاث في ليبيا وهي طرابلس وبرقة وفزان.

-0- بانا/ي ب/ع ط/ 16 أكتوبر 2020