الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

تحدي حفتر المستمر للسلطات الجديدة يهدد تنظيم الانتخابات في ليبيا خلال ديسمبر القادم

طرابلس-ليبيا(بانا)- يؤكد الظهور الإعلامي الأخير للواء أحمد المسماري، الناطق باسم الجيش الوطني الليبي المتمركز في الشرق بقيادة المشير خليفة حفتر، مرة أخرى عداء الأخير وتحديه للسلطة التنفيذية الجديدة، خاصة حكومة الوحدة الوطنية، ما يشي بتهديد محتمل للمرحلة الانتقالية وتنظيم الانتخابات في ظروف تضمن تكافؤ الفرص والشفافية في اقتراع ديسمبر المقبل.

وفي مؤتمر صحفي عقده مؤخرا، أكد اللواء المسماري أنه لا يعترف برئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع، مبينا أن القيادة العامة لم تبلغ بتوليه المنصب الأخير.

وانتقد غياب وكيل لوزارة الدفاع يعمل مع رئيس الحكومة.

ويجدر التذكير بأن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، كشف، خلال تشكيل الحكومة أوائل مارس الماضي، عن ضغوط من دول أجنبية لتعيين وزير الدفاع، ما يفسر اختياره الاحتفاظ بمنصب وزير الدفاع تفاديا للاستقطاب حول هذا الموضوع.

واعتبر الناطق باسم حفتر، في حديثه عن التهديد الإرهابي، أن الجيش الوطني الليبي المتمركز في الشرق هو الضامن الوحيد لأمن الليبيين.

وقد استهدف تفجير بسيارة مفخخة بوابة أمنية في سبها (جنوب) وقُتل فيه اثنين من ضباط الشرطة وأصيب خمسة رجال شرطة آخرين. وكشف هذا التفجير الذي تبناه تنظيم الدولة (داعش)، استمرار التهديد الإرهابي في البلد من خلال خلايا نائمة استطاعت الاحتفاظ بهامش من التحرك لتنفيذ هجمات، رغم هزيمة التنظيم سنة 2016.

ويتكون الجيش الوطني الليبي الذي يقوده خليفة حفتر، من ضباط ووحدات من قوات النظام السابق ومليشيات إسلامية وجماعات مسلحة، وله حضور في الجنوب حيث يسيطر على غالبيته من خلال تحالفات محلية.

وفي مقابل هذا الجيش، توجد قوات الجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية في المنطقة الغربية وتعمل بأوامر السلطة المدنية.

ويجسد هذا الوضع انقسام المؤسسة العسكرية الليبية الذي يزيد من هشاشة تأمين البلاد وحدودها، خاصة الجهود الرامية لاجتثاث الإرهاب وفرض سلطة الدولة على كافة ربوع ليبيا.

وأفضت العملية السياسية في ليبيا إلى توافق بين الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة، على خارطة طريق أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي وتتضمن تنظيم انتخابات في 24 ديسمبر القادم، واختيار سلطة تنفيذية موحدة موقتة تتألف من المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية. وتكلف هذه السلطة بتوحيد مؤسسات الدولية وتحقيق المصالحة الوطنية.

وإذا كانت أكثر من 80 في المائة من مؤسسات الدولة تم توحيدها منذ بدء حكومة الوحدة الوطنية مهامها رسميا في مارس الماضي، فإن الجيش ما زال منقسما.

ويرى المحلل السياسي الليبي صالح المجابري أن "توحيد الجيش يمثل تحديا كبيرا للسلطات الجديدة في البلاد حيث إن العشرية المنصرمة تميزت بالصراعات والمواجهات المسلحة وكذلك تموقع وانحياز مختلف الوحدات إلى أحد الطرفين المتحاربين في ليبيا"، مؤكدا أن "حفتر يمثل عقبة كأداء أمام توحيد الجيش بالنظر إلى طموحاته خاصة الترشح للانتخابات الرئاسية".

واعتبر المجابري أن حفتر الذي أقصي من العملية السياسية والتوافق الوطني المنبثق عنها، بسبب تغليبه لخيار الحرب ثم هزيمته في الصيف الماضي خلال حربه على طرابلس، يحاول اليوم تحدي حكومة الوحدة الوطنية وهو ما يهدد بنسف المرحلة الانتقالية على غرار ما حدث مع حكومة الوفاق الوطني السابقة التي رفض الاعتراف بها ووضع العقبات أمام استعادة البلاد للسلام والوحدة".

وأشار، في هذا الصدد، إلى "العرض العسكري الذي نظمه حفتر بمناسبة الذكرى السابعة لعملية "الكرامة" رغم الحظر الذي فرضه المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، على أي عرض من شأنه أن يمثل استفزازا في هذه المرحلة التي تسعى فيها ليبيا إلى تعزيز التوافق السياسي".

وقد أظهر هذا العرض العسكري فقدان حفتر لنفوذه في معلقه بشرق البلاد وتهميشه رغم انتشار واسع لقواته في المنطقة، حيث لوحظ غياب حليفه السابق، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، عن الحفل وكذلك غياب رئيس المجلس الرئاسي ونائبيه ورئيس حكومة الوحدة الوطنية.

من جانبه، يؤكد الناشط في المجتمع المدني الليبي فيصل محمد الطاهر، أن "رفض حفتر القبول بالتبعية للسلطة المدنية يزيد من تعقيد عملية التطبيع أثناء المرحلة الانتقالية وتوحيد الجيش ويؤجج التوتر ويدفع الفرقاء إلى مواقف أشد تطرفا".

ويعتقد الطاهر أنه "مع استمرار هذا الموقف، هناك تهديد على تنظيم الاقتراع يوم 24 ديسمبر في الأراضي الخاضعة لسيطرة حفتر"، مبينا أن "لا أحد سيستطيع خوض حملة انتخابية بحرية ولا تنظيم مهرجانات لأهالي هذه المناطق لأن الخوف يتملك المواطنين هناك، ويخشى الكل من إبداء أي معارضة للجيش الوطني الليبي وقائده".

وذكّر الناشط المجتمعي بـ"مناخ الرعب الذي أشاعه حفتر وجماعاته المسلحة ضد نشطاء المجتمع المدني والعسكريين وكل مواطن يعارضهم"، مشيرا إلى "الاختفاءات القسرية والاختطافات والسجن والاغتيالات التي كان ضحاياها أناس في المنطقة الشرقية من البلاد. وقد استنكرت منظمات دولية لحقوق الإنسان هذا المناخ ونددت بالتجاوزات والانتهاكات التي يرتكبها المشير".

وإلى جانب هذا الوضع الذي يشكل تهديدا مباشرا على تنظيم الانتخابات في ديسمبر القادم، يمكن أن نضيف المختنقات في جميع مستويات العملية السياسية والتي قد تؤدي إلى انسداد لا انفراج له، وفق المحللين الذين يذكّرون، في هذا الصدد، بتعثر تنفيذ الاتفاق المتعلق بوقف إطلاق النار، خاصة فتح الطريق الساحلي بين سرت ومصراتة (وسط البلاد) وخروج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد.

وكذلك، يمثل نقاش القاعدة الدستورية للانتخابات وأسبقية تنظيم الاستفتاء الدستوري على الانتخابات التشريعة والرئاسية أو العكس، عقبات من شأنها تعطيل الاستعدادات للانتخابات، حسب هؤلاء المحللين.

وهكذا، فإن الخلافات بين مجلس النواب (البرلمان) والمجلس الأعلى للدولة (اعلى هيئة استشارية في البلاد)، حول القاعدة الدستورية للانتخابات والتعيين في المناصب السيادية رغم اتفاق بوزنيقة (المغرب) بين هذين الهيئتين، انعكست على دراسة مشروع الميزانية.

وكانت النقاشات نوعا من لي الذراع بين المجلسين ومحاولات لربط الميزانية بالتعيين في المناصب السيادية سعيا للمساومة وانتزاع تنازلات متبادلة وإبرام صفقات.

وعلاوة على ذلك، يمثل عدم اعتماد مجلس النواب لميزانية الدولة العامة لسنة 2021، عقبة أخرى في تنفيذ أجندة المرحلة الانتقالية، خاصة تطبيق برنامج الحكومة المثبت في خارطة الطريق، والمتعلق بتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

ورغم إلحاح رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة على أعضاء لجنة المالية والتخطيط والميزانية، لم يعتمد مجلس النواب الميزانية خلال جلسته الثالثة المخصصة لدراسة مشروع الميزانية بعد إحالة مشروع قانون المالية ثلاث مرات.

وقرر مجلس النواب استدعاء الحكومة في جلسة يوم 29 يونيو الجاري بينما ينفد الوقت بالنظر إلى الحاجات الملحة للمواطنين وضرورة تحسين إمدادات الكهرباء مع اقتراب ذروة الاستهلاك الصيفي، وتوفير العلاجات الطبية وشراء جرعات اللقاح ضد جائحة فيروس كورونا.

ويبدو أن روح التوافق التي سادت خلال جلسة منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية وحفل أداء الوزراء لليمين، اختفت وحلت محلها الخلافات رغم أن الوضع الذي تمر به ليبيا والتحديات القائمة، تتطلب تكاتف الجهود والتفاهم بين الليبيين للوصول ببلدهم إلى بر الأمان.

لا ريب أن انتخابات ديسمبر التي تحظى بإجماع لدى الليبيين، وتمثل مطلبا شعبيا، سوف تنظم في موعدها المحدد مهما كانت المصاعب.

وكذلك، يتفق المجتمع الدولي على دعم قوي جدا لتنظيم هذا الاقتراع في تاريخه المعلن، وإنجاح العملية السياسية في ليبيا.

وفي هذا السياق، أكدت مجموعة السبع ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في اجتماعيهما الأخيرين، دعمهما لهذه الانتخابات، وحثا السلطات على العمل لتنظيم هذا الاقتراع.

وسيُكرس اجتماع "برلين 2" المقرر عقده يوم 23 يونيو الجاري، لمتابعة تنفيذ خارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي، والمتعلقة بتنظيم الانتخابات وتوحيد المؤسسة العسكرية وتطبيق وقف إطلاق النار خاصة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب.

على صعيد آخر، كشفت وزيرة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الليبية، نجلاء المنقوش، عن مبادرة حول الاستقرار في ليبيا، مؤكدة أنها ستُعرض خلال مؤتمر برلين 2.

وبحسب وزيرة الخارجية الليبية، تقوم الرؤية الليبية لمعالجة الملف الليبي على "مبادرة الاستقرار في ليبيا"، والتي تتضمن التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، بما يشمل مغادرة القوات الأجنبية وفق جدول زمني واضح وعملي،  وفتح الطريق الساحلي وتوحيد الجيش والمؤسسات السيادية الأخرى.

وستشجع هذه المبادرة، في حال حصولها على دعم المجتمع الدولي، تسوية نهائية للأزمة الليبية من خلال نجاح المرحلة الانتقالية وتتويجها بانتخابات وطنية عادلة وشفافة يقبل بنتائجها جميع الفاعلين الليبيين.

-0- بانا/ي ب/س ج/17 يونيو 2021