وكالة أنباء عموم أفريقيا

تساؤلات في ليبيا بعد تسريبات تقرير الخبراء عن رشاوى للتصويت على رئيس الحكومة المعيّن

طرابلس-ليبيا(بانا)- تشهد ليبيا جدلا واسعا وتوترات جديدة إثر تسريبات تقرير الخبراء الأمميين الموجه للجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة الخاصة بليبيا، والذي سيبحثه مجلس الأمن الدولي في 15 مارس الجاري، حيث تضمنت الكشف عن رشاوى مزعومة تلقاها بعض أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي خلال اجتماعهم في نوفمبر الماضي بتونس، مقابل التصويت لقائمة رئيس الحكومة المعيّن، عبدالحميد دبيبه.

وتأتي هذه التسريبات في وقت يبدو فيه أن الصعوبات داخل مجلس النواب الليبي بشأن التصويت لمنح الثقة تم تجاوزها، مما يبشر بنهاية سعيدة لمسلسل من الانقسامات بين أعضاء الجسم التشريعي.

وتحدثت الأخبار التي نشرتها وسائل إعلام نقلا عن إحدى وكالات الصحافة الدولية، عن نتائج تقرير الخبراء الأمميين المتعلقة بحالات رشوة لبعض أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي الذين تسلموا أموالا مقابل التصويت لصالح قائمة رئيس الحكومة المعيّن عبدالحميد دبيبه والتي تضم معه محمد المنفي رئيسا للمجلس الرئاسي، وموسى الكوني وعبد الله اللافي نائبين للرئيس.

ويجدر التذكير بأن هذه القائمة اختيرت يوم 5 فبراير في مدينة جنيف، من قبل أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي في عملية تصويت وُصفت بالشفافة ونقلتها قنوات تلفزيونية ليبية وعالمية مباشرة على الهواء.

هذا الوضع أثار تساؤلات لدى قطاعات عريضة من الليبيين الذين علقوا آمالا كبيرة على قرب التوصل إلى حل سياسي يخرج بلدهم من هذه العشرية التي أنهكتهم فيها الفوضى الأمنية.

وفي الواقع، اعتبر كثير من الليبيين أن توقيت تسريب هذا التقرير، خارج إطاره الرسمي للأمم المتحدة ليس بريئا بل على العكس، يهدف إلى نسف العملية السياسية التي دخلت مرحلتها الأخيرة من خلال تشكيل سلطة انتقالية جديدة تبشر بآفاق لتطبيع الوضع في هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا.

الناشط السياسي الليبي، سيف النصر العريبي، يتبنى هذا الرأي ويؤكد أن "تسريب التقرير خلفه دوافع واعتبارات محددة تهدف أساسا إلى خلط الأوراق في هذه اللحظة التي بدأت فيها العملية السياسية تتجاوز العقبات مع دعم الليبيين الذين أيدوا وباركوا نتائج ملتقى الحوار السياسي وفرحوا كثيرا بتسوية الأزمة وتوحيد المؤسسات الحكومية في البلاد بعد سنوات من الانقسام".

وذكّر بأن "النواب بدأوا في تليين مواقفهم بعد انقسامات عميقة حيث قدموا تنازلات في سبيل مصلحة البلاد وتغليبها على المصالح الشخصية والمناطقية، حتى لا يخيبوا آمال الليبيين وليساهموا ولو قليلا، في حل الأزمة خشية أن تتجاوزهم الأحداث ويبقوا على هامش التاريخ في بلدهم لأنهم إن لم يصوتوا بمنح الثقة للحكومة، سيصار إلى أعضاء ملتقى الحوار السياسي ليعتمدوا الحكومة وفقا لخارطة الطريق".

ويعتبر المحلل السياسي الليبي مفتاح أحمد القماطي، من جانبه، أن "تسريبات تقرير الخبراء الأمميين عن الرشوة فعلها عن قصد أشخاص يجدون مصلحة في تقويض العملية السياسية الجارية لكي تبقى حالة الفوضى وانعدام الأمن والانقسام"، مضيفا أن "طرفا خارجيا على الأرجح وراء التسريب، بعد أن اتخذت الأحداث مسارا قد يفقده نفوذه ونفوذ حلفائه المحليين في ليبيا".

وأكد القماطي أن "تدخلات الدول الأجنبية في ليبيا معروفة للقاصي والداني وتمثل بعدا في الملف الليبي لأنها مؤثرة فيه"، مشيرا إلى أن "بعض البلدان استثمرت كثيرا سواء الأموال أو الدعم بالأسلحة والعتاد العسكري والدعم السياسي ما قد يدفعها إلى ردود ربما تتخذ أشكالا مختلفة بهدف تقويض الجهود الرامية لتسوية الأزمة عندما ترى أن النتائج لا تصب في صالحها".

وفي ردها على تسريبات تقرير الخبراء الأممين بشأن حالات رشاوى مزعومة، حذرت السلطة التنفيذية الموحدة المؤقتة من استغلال البعض لهذه القضية من أجل عرقلة العملية السياسية في ليبيا.

وطالب المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة بالإسراع بنشر نتائج التحريات والتحقيق اللحظي في مزاعم الرشوة خلال ملتقى الحوار السياسي الليبي.

وقال أعضاء السلطة التنفيذية الجديدة "إننا في الوقت الذي نتابع فيه ما نشرته وسائل الإعلام بشأن تقرير لجنة الخبراء الأمميين حول شبهات الرشاوى خلال المرحلة الأولى من الحوار، وقبل اعتماد الآليات النهائية لانتخاب السلطة التنفيذية، نؤكد تشبثنا المطلق بما ورد في التزاماتنا المكتوبة والشفوية عن مكافحة الفساد والمفسدين والتصدي لهم بالوسائل القانونية".

وفي بيان مشترك، أوضح المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية،  أنه "على أساس نتائج الاتفاق السياسي الليبي الموقع يوم 5 فبراير في جنيف، الذي تمخض عن تولينا مسؤولية قيادة المرحلة التمهيدية، نعمل منذ ذلك الحين، بجد وإخلاص للوفاء بالتزاماتنا التي قطعناها على أنفسنا أمام الشعب الليبي، وقررنا ضمان تنفيذ الواجبات التي أسندت إلينا، وعلى رأسها مكافحة الفساد وتساوي الفرص وفرض العدالة وسيادة القانون".

من جانبه، أكد المجلس الأعلى للدولة وهو هيئة استشارية عليا، في رده على  شبهات الفساد التي وردت في تقرير الخبراء التابعين لمجلس الأمن، بشأن عملية التصويت في ملتقى الحوار السياسي الليبي، على ضرورة أن تكشف الأمم المتحدة عن الوقائع للشعب الليبي، وإن كانت هناك بالفعل شبهات فساد، يجب أن تكون واضحة لأن هذه المشكلة تضر بالسلطة وأعضائها.

كما دعا البرلمان الليبي المنعقد في طرابلس، مجلس الأمن إلى التعجيل بنشر معلومات عما ورد في تقرير لجنة الخبراء عن تسلم أعضاء من ملتقى الحوار السياسي رشاوى وأن يُنشر التقرير بالكامل مع ملحقاته جميعا، أو إرساله إلى البرلمان من أجل تعزيز مبدإ الشفافية والنزاهة وإجراءات السلامة.

وقبل ذلك، علق رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد دبيبة، واصفا هذه التسريبات "بمحاولة لتقويض عملية تشكيل الحكومة وإعاقة عملية منح الثقة لها عبر نشر الشائعات والأخبار الزائفة".

وأكد دبيبة على نزاهة العملية التي جرى خلالها انتخاب السلطة الجديدة، وتميزت بشفافية تامة حيث تابعها الليبيون على شاشات التلفزيون وفي وسائل الإعلام الأخرى، مطمئنا الشعب الليبي على استكمال المرحلة الأولى من خارطة الطريق بتصويت البرلمان قريبا على منح الثقة للحكومة.

وأوضح رئيس الحكومة المعيّن أن مرحلة الانقسامات السياسية والمؤسسية وغياب الخدمات والظروف الاقتصادية السيئة توشك على نهايتها، معبرا عن تطلع السلطة التنفيذية الجديدة إلى الوفاء بالتزاماتها وأداء واجباتها تجاه الشعب الليبي حتى تكون حكومة تمثل كافة الليبيين وتصون كرامتهم وحقوقهم داخل البلاد وخارجها.

وأضاف ديبية أنه يعول على وعي الشعب الليبي وتفهمه لحجم التحديات والعقبات التي تعترض عملية توحيد المؤسسات والمصالحة لكي لا يلتفت إلى الشائعات الرامية إلى إشغالهم عن أجندتهم المهمة القادمة.

وكدليل آخر على الحجم الذي أخذته هذه المعلومات المسربة من تقرير الخبراء الأمميين، طالب 25 نائبًا رئاسة مجلس النواب بمخاطبة الأمم المتحدة لطلب صورة من تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن بشأن مزاعم عن تلقي رشاوى خلال ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس قبل جلسة مناقشة منح الثقة للحكومة المقترحة، وإرجاء موعد الجلسة حتى تتبين حقيقة الأمر.

وقال النواب، في رسالة وجهوها إلى رئاسة مجلس النواب واقترحوا فيها إرجاء الجلسة، "نمى إلى مسامعنا مطالبة بعض أعضاء لجنة الحوار بضرورة إيفائهم بنتائج تقرير لجنة التحقيق بشأن مزاعم عن تلقى رشاوى بتونس"، معبرين عن "القلق الشديد مما أثارته بعض وكالات الأنباء الدولية بشأن تسريبات من تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن في ذات السياق".

بدورها، علقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا التي ترعى العملية السياسية في ليبيا، بالقول إنها ليست معنية بهذه القضية التي تخص لجنة العقوبات الخاصة بليبيا.

وقالت البعثة، في بيان لها، "فيما يتعلق بالتقارير الإعلامية التي يتم تداولها حول مزاعم الرشاوى خلال انعقاد ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس، نقلاً عن تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة، تؤكد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن فريق الخبراء هو كيان مستقل ومنفصل تمامًا عن بعثة الأمم المتحدة. ويقدم تقاريره إلى لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن".

وأكدت البعثة كذلك أنها "لا تتلقى تقارير فريق الخبراء بما في ذلك التقرير الأخير، وبالتالي لا يمكنها التعليق على هذا التقرير، ويجب توجيه أي استفسارات في هذا الصدد إلى لجنة العقوبات".

وخلاصة القول إن قضية التسريبات التي تحدثت عن رشاوى مزعومة لم تحقق هدفها لأن الاستعدادت جارية بوتيرة حثيثة، لاستكمال إجراءات تنظيم الجلسة العامة التي سيصوت فيها النواب بمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية يوم 8 مارس في سرت (وسط).

ويرى المراقبون أن الليبيين سئموا الحرب والمواجهات المسلحة وهم اليوم عازمون على اغتنام الفرصة لتسوية الأزمة والتوجه نحو بناء بلدهم.

-0- بانا/ي ب/س ج/05 مارس 2021