الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

فرض ضريبة على عمليات النقد الأجنبي في ليبيا يثير جدلا كبيرا في البلاد

طرابلس-ليبيا(بانا)- ما يزال الجدل مستمرا في ليبيا منذ فرض ضريبة بنسبة 27 في المائة على عمليات صرف العملة مؤخرا بين مؤيدي هذا الإجراء الذي يمثل تخفيضا جديدا للدينار الليبي أمام العملات الأجنبية، مع تحديد سعر الصرف الرسمي بين 95ر5 و15ر6 دينار للدولار الأمريكي مقابل 80ر4 دينار سابقا، والذين يرون فيه فرصة لإنقاذ الاقتصاد والتوازنات المالية وموارد البلاد، ومعارضيه الذين يعتبرونه إجراء غير مبرر يستهدف زيادة العبء على المواطنين ورجال الأعمال، بينما تمتلك ليبيا ثروات كفيلة بجعل شعبها ينعم بالرفاهية دون اللجوء إلى سياسة تقشف.

وبدأ كل شيء بارتفاع كبير، خلال فبراير الماضي، لسعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار الليبي في السوق السوداء بلغ قرابة 8 دينارات للدولار، بعد وصوله إلى 80ر7 دينار للدولار الواحد، في حين كان تحديد السعر الرسمي عند مستوى 80ر4 دنانير.

وأثار هذا الوضع اضطرابا كبيرا في ليبيا، خاصة بين المواطنين الذين يخشون من تضخم متزايد وانخفاض قوتهم الشرائية نتيجة لهذا الارتفاع في سعر صرف الدولار الذي يشكل العملة الرئيسية في هذه الدولة النفطية الواقعة بشمال إفريقيا والتي تعتمد إيراداتها بأكثر من 90 في المائة على عوائد النفط.

وكان رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، قد اعتبر، فيما يتعلق بالظروف المالية في ليبيا على ضوء زيادة الرواتب، أن سعر صرف الدولار يجب أن ينخفض إلى 3ر1 دينار مقابل 83ر4 حسب السعر الرسمي، مؤكدا أن الليبيين يستحقون العيش في رفاهية.

وعلاوة على ذلك، تأخرت مرتبات يناير وفبراير في ليبيا، للمرة الأولى منذ أكثر من عامين، بسبب عدم اعتماد ميزانية موحدة، ما أثار حالة من الغضب، بينما حمّلت حكومة الوحدة الوطنية المسؤولية عن ذلك لمصرف ليبيا المركزي الذي لم يصرف أجور موظفي الدولة.

وعلى خلفية هذه التطورات، وجّه محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، خطابا إلى الدبيبة، نشره المصرف، منتقدا فيه "ممارسات الحكومات المتعاقبة (...)، لأن هناك توسعا غير مدروس في الإنفاق"، لافتا إلى أن "الإنفاق العام خلال السنوات الأخيرة، خاصة الإنفاق على الاستهلاك، يمثل أكثر من 95 في المائة من الإنفاق العام".

وأشار أيضا إلى أن المرتبات تشكل لوحدها 60 في المائة من الإنفاق العام بعد زيادة باب المرتبات في الميزانية من 33 مليار دينار (83ر6 مليار دولار أمريكي) سنة 2021 إلى 65 مليار دينار (45ر13 مليار دولار أمريكي) سنة 2023، مضيفا أن باب الدعم ارتفع من 8ر20 مليار سنة 2021 ، بما في ذلك دعم الوقود، إلى 61 مليارا خلال نفس الفترة من سنة 2022 ، مع توقعات بتجاوزه 61 مليار دينار سنة 2023 ، بما يشمل 41 مليار دينار لدعم الوقود، الذي شهد نموا ملحوظا ويستنزف حوالي 5ر8 مليار دولار سنويا من موارد الدولة.

وأكد الصديق الكبير أيضا أن نفقات الدعم الأخرى التي يواجهها قطاع الكهرباء بشكل مباشر، تقدر بحوالي 40 مليار دينار، ما يرفع إجمالي النفقات المخصصة للدعم المباشر وغير المباشر إلى 102 مليار دينار سنويا. وتساءل عن سبب ارتفاع نفقات الباب الرابع المتعلق بالدعم من 8ر20 مليار دينار، بما يشمل دعم الوقود سنة 2021 إلى 61 مليار دينار سنة 2022 ، ما يؤكد "وجود عدم توازن واختلال وسوء إدارة لدعم الوقود".

وكشف محافظ المصرف المركزي أن الدولة أنفقت حوالي 420 مليار دينار بين سنتي 2021 ونهاية 2023 ، مع تخصيص الجزء الأكبر منها للإنفاق الاستهلاكي على حساب الإنفاق التنموي، ما وضع ضغطا على سعر صرف الدينار الليبي.

ومن أجل معالجة هذا الوضع، اقترح محافظ مصرف ليبيا المركزي، في رسالة وجهها إلى رئيس مجلس النواب الليبي (البرلمان)، عقيلة صالح، ضبط سعر صرف الدينار الليبي مقابل العملات الأجنبية، بحيث يتراوح سعر الصرف بين 95ر5 و15ر6 دينار للدولار بعد فرض ضريبة بنسبة 27 في المائة على عمليات صرف العملة.

وبرر الصديق الكبير ضبط سعر الصرف بالصعوبة التي يواجهها المصرف المركزي في تغطية احتياجات السوق من العملات الأجنبية منذ سبتمبر 2023 ، نظرا لتزايد حجم الإنفاق العام.

واعتبر كذلك أن "هذا الإجراء سيسمح بتحصيل إيرادات إضافية تقدر بحوالي 12 مليار دينار يمكن استخدامها في سداد الدين العام والمشاريع التنموية"، مشيرا إلى ضرورة أن يعبّر مجلس النواب عن رأيه حول هذا الإجراء.

من جانبه، اعتمد رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، اقتراح محافظ المصرف المركزي، على أن يظل ساري المفعول حتى نهاية 2024 .

وينص القرار الصادر عن عقيلة صالح، على "زيادة سعر الصرف بنسبة قدرها 27 في المائة، مع إمكانية خفضها حسب ظروف إيرادات الدولة الليبية، خلال فترة صلاحية القرار".

وبعد انتقادات شديدة اللهجة داخل السلطة التشريعية، واعتراض أحد نائبي رئيس مجلس النواب وعدد من النواب، اتفق أعضاء البرلمان خلال جلسة مغلقة على تشكيل لجنة فنية تتألف من رؤساء اللجان البرلمانية للمالية والاقتصاد والرقابة وخبراء لمتابعة مدى تأثير تقلب سعر الصرف على دخل المواطن.

وفي تعليقه على ذلك، أكد رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية الليبية المتمركزة في طرابلس، عبد الحميد الدبيبة، من جهته، رفضه التام للإجراء الأخير الصادر عن رئيس البرلمان، عقيلة صالح، والذي يستهدف فرض ضريبة تغطي الإنفاق الموازي، مؤكدا أن الأمر يتعلق بقرارات "أحادية وانفرادية" متخذة بناء على اقتراح من مصرف ليبيا المركزي أربك المواطنين والتجار.

وفي كلمة توجه بها إلى الشعب الليبي مساء الإثنين الماضي، أكد الدبيبة أن الوضع الاقتصادي في البلاد جيد للغاية وفقا للتقارير، على عكس ما يقال، مؤكدا أنه لا حاجة إلى اتخاذ تدابير استثنائية تثقل كاهل المواطن.

وفي رد غير مباشر على محافظ مصرف ليبيا المركزي، أشار رئيس الوزراء الدبيبة إلى أن الدين العام الذي كان يبلغ حوالي 154 مليار دينار قد تم تصفيره، بينما حققت حكومته فائضا ولم تتسبب في عجز مالي للدولة أو زيادة في الدين العام، وإنما حققت، على العكس من ذلك، فائضا قدره 6ر26 مليار دينار وفق تقرير صدر عن المصرف المركزي.

ولاحظ الدبيبة أن معدل التضخم انخفض إلى مستوى غير موجود تقريبا في أي من بلدان المنطقة، حيث انخفض من 5 في المائة سنة 2022 إلى 8ر1 في المائة سنة 2023 . ووصف هذا الانخفاض بأنه ممتاز، مشيرا إلى ارتفاع صافي الأصول الخارجية بنسبة 16 في المائة لتصل إلى 415 مليار دينار.

وأكد رئيس الوزراء الليبي أن حكومته ضخت 75 مليار دولار في مصرف ليبيا المركزي خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يعادل ما حققته الحكومات السابقة خلال ست سنوات.

وأشار إلى أن ما يقصده عقيلة صالح بشأن الدين العام هو الإنفاق الموازي الذي يريدون أن يدفع المواطنون ثمنه في حين كان بإمكان البرلمان اتخاذ قرارات وتدابير بشأن ورقة 50 دينار النقدية المزورة المتداولة في البلاد.

وتبلغ احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي حاليا 84 مليار دولار، ما يكفي لعدة سنوات قادمة، على حد قول الدبيبة، الذي أكد أن الدولة الليبية اشترت لأول مرة منذ السبعينيات 27 طنا من الذهب خلال يونيو 2023 تقدر قيمتها بحوالي ملياري دولار أمريكي.

وهكذا، فإن الآراء متباينة بين قادة المؤسسات الرسمية حول مدى جدوى الإجراء المتمثل في تخفيض قيمة الدينار الليبي الثاني من نوعه بعد يناير 2021 ، عندما تم ضبط سعر الصرف مقابل الدولار باعتماد سعر صرف موحد بقيمة 48ر4 دينار للدولار مقابل 40ر1 دينار للدولار سابقا.

وأكد خبراء ومتخصصون في قطاع المصارف مؤخرا عدم وجود أي مبرر اقتصادي لخفض قيمة الدينار مقابل العملات الأجنبية، معتبرين أن المشكلة الرئيسية تكمن في "إدارة احتياطيات الصرف بما يؤدي إلى استقرار سعر الصرف".

وفي ختام ندوة حوارية نظمها المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي في طرابلس، طالب المشاركون في هذا الاجتماع تحت عنوان "تقلب أسعار الصرف وتأثيراته على المتغيرات الاقتصادية" بضرورة اعتماد سياسات اقتصادية متناغمة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، مشددين على أهمية إطلاق برنامج إصلاح للأموال العامة وتوجيه النفقات إلى ما يساهم في الاستقرار الاقتصادي لرفع مستويات النمو وتحقيق الاستدامة المالية.

وأودع محامون دعوى استئناف ضد قرار فرض ضريبة على عمليات الصرف، مؤكدين أن هذه الضريبة ستؤدي إلى إضعاف القوة الشرائية للمواطنين ورفع أسعار كافة السلع والخدمات، ما سينعكس سلبا على جميع السكان.

وعبّرت نقابات المهنيين والحرفيين والعمال، بدورها، عن استيائها من هذا القرار، مطالبة بعدم فرض أي ضريبة على سعر صرف الدينار، وإتاحة فرصة للخبراء الاقتصاديين لصياغة السياسة المالية للبلاد.

وحذروا من تدهور المستوى المعيشي بسبب التلاعب في العملة المحلية، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بأكثر من 35 في المائة، داعين إلى وضع حد لهذا الوضع.

وعلق الكاتب والباحث الليبي، عبد الرزاق العرادي، في تدوينة على منصة "إكس" حول الجدل المتعلق بخفض قيمة الدينار، أن "المشكلة ليست في سعر الصرف... بضريبة أو بدونها، المشكلة سياسية وأمنية قبل كل شيء. المشكلة تكمن في الانقسام السياسي، في وجود حكومتين (حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس والمعترف بها دوليا والحكومة الليبية المعينة من البرلمان والمتمركزة في شرق البلاد)، في غياب ميزانية منذ سنة 2014 وفي الجريمة المنظمة بكل أشكالها. المشكلة ليست فقط في المصرف المركزي".

وأضاف أن "المشكلة هي جريمة طباعة النقود خارج المصرف المركزي وجريمة تزويرها. عصابات فاغنر (المرتزقة الروس الذين يقفون بجانب حفتر) يعيشون في البلاد مجانا بالعملة المزورة. يأكلون ثروات البلاد ويحصلون على رواتبهم من خلال شراء الدولارات في السوق السوداء بالدينارات المزيفة التي جلبوها. بمعنى آخر، يعيشون عبر زيادة معاناة الشعب الليبي".

وأشار العرادي إلى أن المشكلة تكمن في الجريمة المنظمة، بما يشمل تهريب المخدرات، وتجارة الأسلحة، وتهريب النفط والوقود والأشخاص، مؤكدا أن هؤلاء الأشخاص لا يهتمون بسعر الدولار، وسيشترونه حتى لو بلغ سعر الدولار ألف دينار، وسيواصلون تحقيق أرباح من خلال رفع تكاليف معيشة الليبيين بشكل كبير.

مهما يكن من أمر،  فقد دخلت الإجراءات حيز التنفيذ لأن المصرف المركزي الليبي أحال إلى المصارف التجارية توجيها بتنفيذ الضريبة على سعر الصرف.

وشدد المصرف المركزي على تسهيل إجراءات صرف العملات، بما في ذلك فتح الاعتمادات الدائمة لجميع الأغراض، مع تقديم إيصال يتعهد فيه الزبون بقبول السعر مضافة إليه الضرائب.

-0- بانا/ي ب/ع ه/ 21 مارس 2024