الأخبار

وكالة أنباء عموم أفريقيا

الصحف التونسية: في مواجهة الحرب على الفساد.. لوبيات قوية تدفع بالمواطن نحو الجوع والإنتفاضة

تونس العاصمة-تونس(بانا)- في رصدها تطوراتِ المشهد السياسي، أجمعت الصحف التونسية الصادرة هذا الأسبوع على أن تونس -كما يبدو من خلال بعض العناوين والمقدمات والممارسات- "تدخل مرحلة فرز شاسعة ومترامية" وفي حالة من الهستيريا الجماعية تذكرنا بتلك الأيام السوداء عندما تم التنكيل بوزراء الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، عبر محاكمات انتقامية ومتشفّية غابت فيها الحدود الدنيا للمحاكمة العادلة، وتتكرّر الصورة -الآن- معكوسة إذ لم يعد خافيا أن "دولة قيس سعيد" بصدد التهيّؤ لإطلاق يد العدالة لمحاسبة كل الذين أجرموا في حق هذا البلد على امتداد العشرية الماضية وكل الذين نهبوا مدّخراته القليلة وجعلوا منه بلدا يتسوّل أرزاق مواطنيه.

وفي هذا السياق، قالت جريدة (المغرب): ما من شك في أن جرائم هائلة وضخمة قد اقتُرفت في البلاد لبعضها علاقة بالإرهاب داخل البلاد وخارجها، ولبعضها الآخر علاقة بالفساد والجريمة المنظمة، وبعضها الآخر على علاقة بالأمرين معا، مشيرة إلى أن القضاء العادل والناجز هو وحده الذي يسمح بعدم الوقوع في المحظور. لكن الجريدة أقرت بأن هنالك إجماعا في تونس على أن القضاء (ولا نقول العدالة) عندنا مريض قبل الثورة وبعدها، وأنه ترنح أحيانا بين طرفي النقيض فأسهم في إضعاف الثقة فيه والشك في أحكامه خاصة عندما يتعلق الأمر بالأقوياء المنتصرين أو الأقوياء سابقا والمنهزمين اليوم.  

ولاحظت جريدة (الصحافة)، من جهتها، أن الذي جرى خلال العشرية الفارطة، من خلال الحملات المتتالية والممنهجة ضد العدالة في تونس، أدى إلى هذا الإنقسام أو الشرخ الحاصل في الجسم القضائي ولا يمكن أن نتغاضى عما كشفته هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولا ما صرّح به عديد القضاة النزهاء، بحيث لم تعد العدالة في تونس تلك الكتلة الواحدة التي تقودها نواميس الحق والإنصاف ويعلوها القانون بل أصبحت تحمل في داخلها تناقضات قائمة على الموالاة والترضيات وحتى على الرشاوى والمصالح.

وتطرقت صحيفة (الحرية) إلى ما ستشهده البلاد من تحولات سياسية خلال السنة الحالية، بدءً بسبر ٱراء التونسيين جزء منه عبر منصة على الإنترنت خصصت للغرض، وانتهاءً بإنجاز انتخابات تشريعية وإرساء برلمان جديد، إلا أنها تساءلت: هل تلبي شبكة الإنترنت حاجات التونسيين من التغطية لإيصال تصوراتهم واقتراحاتهم وأصواتهم دون شوائب وعوائق؟ وكيف سيشارك المواطنون فاقدو الدراية والمعرفة؟ وكيف سيتصرف المواطنون الأميون؟

وبخصوص الإستعداد للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، قالت جريدة (الصحافة): في ظل الأجواء الضبابية التي تهيمن على المشهد السياسي، وأمام الصعوبات الحالية في تعبئة الموارد المالية اللازمة لميزانية العام الحالي، يتساءل كثيرون لماذا تصرّ الحكومة الحالية في إطار استعدادها للمفاوضات مع صندوق النقد على إنجاز وثيقة برنامج الإصلاحات الاقتصادية بمفردها وبطريقة تكتنفها السرية والغموض ودون مشاركة الأطراف الأخرى المعنية بهذا الملف الشائك من منظمات وطنية ومكونات المجتمع المدني؟

وفي مواجهة الأزمات الإقتصادية والسياسية، دعت صحيفة (الشعب) إلى ضرورة العمل المشترك بين المركزية النقابية والحكومة في هذه المرحلة التاريخية التي تعيشها البلاد لتجاوز كل الصعوبات، مشيرة، في ذات الوقت، إلى أن الحكومة اصطدمت حال مباشرتها للعمل بتركة ثقيلة قوامها العديد من الأخطاء والانتهاكات في حق البلاد فضلا عن العديد من الملفات التي بقيت عالقة بل ومعطلة قصدا لأسباب معلومة وأخرى غير معلومة.

وتحدثت مقالات عديدة بالصحف التونسية عن تداعيات الأزمة الإقتصادية على غرار الإرتفاع المشطّ في الأسعار والمضاربة في المواد الأساسية، وقالت: صحيح أن الجميع من نخبة وأحزاب وسلطة ومعارضة ونقابات منشغلون بالوضع السياسي، لكن واقع الأمر أن الأزمة السياسية تُعتبر لا شيء أمام الأزمة الحقيقية التي ضربت قوت المواطن في مقتل، ودفعت بنا إلى اقتصاد أزمة يقوم أساسا على ارتفاع جنوني للأسعار يمكن تفسيره بضعف الدولة أو بسيطرة اللوبيات والمافيات على مسالك التوزيع.

وأكدت أن العملية لم تعد محض صدفة، ولا هي مجرد انعكاس للأزمة، بل تحوّلت الى حرب على قوت المواطن وأمن الوطن، تقف وراءها لوبيات قوية ضد رئيس الجمهورية (قيس سعيد) بغرض الدفع بالمواطن نحو الجوع ونحو الإنتفاضة.

وخلصت إلى القول: لا ندري في مصلحة من تصبّ كل هذه الحسابات، لكنها بالتأكيد ليست في مصلحة الدولة ولا المواطن.

وتساءلت جريدة (لا براس) La Presse، الناطقة بالفرنسية: هل تمكنت وسائط الإعلام الوطنية من مرافقة الأحداث  الرئيسية التي شهدتها البلاد في الأيام الأخيرة خاصة في ما يتعلق بمحاربة رموز الفساد وقرار مكتب المدعي العام بتقديم 19 شخصا إلى العدالة لارتكابهم جرائم انتخابية أثناء الحملة الإنتخابية الرئاسية والتشريعية في أواخر عام 2019؟

وقالت من المؤسف أنه في ظل هذه الضبابية الإعلامية يعتبر التونسيون أن صحافتهم  وكل وسائل الإعلام مجتمعة، فوتت الفرصة لإعلام الرأي العام بأكبر قدر ممكن من الوضوح والبساطة كي لا تتضخم الشكوك التي تروج لها لوبيات التسلط والفساد التي قادت البلاد إلى الأزمات طيلة عشرية مريرة. 

وبمناسبة حلول الذكرى الحادية عشرة لسقوط النظام السابق في 14 يناير 2011، توقفت صحيفة (الشارع المغاربي) أمام حصيلة مؤلمة، وقالت: في أواسط مثل هذا الشهر، قبل أحد عشر عاما علق التونسيون آمالا عريضة على ثورتهم وظنوا أن أبواب جنة الأرض ستفتح دفعة واحدة أمامهم، وقد كانوا على عتبة بناء أول دولة ديمقراطية في المنطقة العربية بأسرها لكنّ النتيجة أنهم ذاقوا الأمرّين طيلة السنوات الماضية على كافة الأصعدة جراء استفحال سياسة الغنيمة واستشراء الفساد وتضخم واستضعاف الدولة، فضلا عن كل السياسات التي عمقت واقع البؤس والحرمان.

 

-0- بانا/ي ي/ع د/09 يناير 2022